اختار الله تعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها وهي البلد الحرام فإنه سبحانه اختاره لنبيه صل الله عليه وسلم وجعله مناسك لعباده وأوجب عليهم الإتيان إليه من القرب والبعد من كل فج عميق فلا يدخلونه إلا متواضعين متخشعين متذللين كاشفين رؤوسهم متجردين من لباس الدنيا.
وجعله حرماً آمنا لا يسفك فيه دم، ولا تعضد به شجرة، ولا ينفر له صيد، ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته للتمليك بل للتعريف ليس إلا، وجعل قصده مكفراً لما سلف من الذنوب، ماحيا للأوزار، حاطا للخطايا.
فلو لم يكن البلد الأمين خير بلاده، وأحبها إليه، ومختاره من البلاد؛ لما جعل عرصاتها مناسك لعباده فرض عليهم قصدها، وجعل ذلك من آكد فروض الإسلام، وأقسم به في كتابه العزيز في موضعين منه (وهذا البلد الأمين) وقال تعالى: (لا أقسم بهذا البلد).
وليس على وجه الأرض بقعة يجب على كل قادر السعي إليها والطواف بالبيت الذي فيها غيرها، وليس على وجه الأرض موضع يشرع تقبيله واستلامه، وتحط الخطايا والأوزار فيه غير الحجر الأسود، والركن اليماني. وثبت عن النبي ﷺ"أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة"