وصف الله سبحانه أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن. ومن تأمل أحوال الصحابة ﵃ وجدهم في غاية الجد في العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير، بل التفريط والأمن، فهذا الصديق ﵁ يقول: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن"
ذكره أحمد عنه، وذكر عنه أيضا أنه كان يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وكان يبكي كثيراً، ويقول: ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا. وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله ﷿ وأتي بطائر فأخذ يقلبه ثم قال: ما صيد من صيد، ولا قطعت من شجرة، إلا بما ضيعت من التسبيح، ولما احتضر قال لعائشة: يا بنية، إني أصبت من مال المسلمين هذا العباءة وهذا الحلاب وهذا العبد، فأسرعي به إلى ابن الخطاب، وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.
وقال قتادة: بلغني أن أبا بكر قال: ليتني خضرة تأكلني الدواب، وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله:(إن عذاب ربك لواقع) فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه. وقال لابنه وهو في سياق الموت: ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني، ثم قال: ويل أمي، إن لم يغفر الله لي (ثلاثا)، ثم قضي.