والثالث: بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسطٍ من البعد والقرب، فهذا هو الذي يراه.
فسبحان من جعل كلامه شفاءً لما في الصدور.
فإنه قيل: فما وقع أو في قوله تعالى: ("لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) من هذا النظم على ما قررت؟ قيل: فيها سر لطيف، ولسنا نقول إنها بمعنى الواو كما يقوله ظاهريه النحاة.
فاعلم أن الرجل قد يكون له قلب وقاد، مليء باستخراج العبر واستنباط الحكم، فهذا قلبه يوقعه على التذكر والاعتبار، فإذا سمع الآيات كانت له نورًا على نور، وهؤلاء أكمل خلق الله، وأعظم إيمانًا وبصيرةً، حتى كأن الذي أخبرهم به الرسول ﷺ مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه، فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نور من البصيرة ازداد بها نورًا إلى نوره فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التذكر أيضًا "فإن لم يصبها وابل فطل" والوابل والطل في جميع الأعمال وآثارها وموجباتها.