مكة حرمها اللَّه، ولم يحرمها الناس" وفى حديث ابن عباس عندهما: إن اللَّه حرم مكة" وفى لفظ: "حرَّمه اللَّه يوم خلق السموات والأرض" لأن المعنى أن إبراهيم أعلنه وأظهر أن مكة بلد حرَام بأمر اللَّه تعالى لا باجتهاده. أما تحريم المدينة فقد أعلنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد خيبر فقد روى البخارى ومسلم واللفظ للبخارى من حديث أنس رضى اللَّه عنه أن النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأبى طلحة: التمس غلاما من غلمانكم يخدمنى حتى أخرج إلى خيبر فخرج بى أبو طلحة مردفى وأنا غلام راهقت الحُلم فكنت أخدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نَزَلَ، فكنت أسمعه كثيرا يقول:"اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل والبخل والجبن، وضَلَع الدين وغلبة الرجال" ثم قدمنا خيبر، فلما فتح اللَّه عليه الحصن ذكر له حمال صفية بنت حيى بن أخطب، وقد قُتل زوجها، وكانت عروسا فاصطفاها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لنفسه، فخرج بها حتى بلَغْنا سَدَّ الصَّهْبَاء حَلَّت، فبنى بها، ثم صنع حيسا فى نِطَع صغير، ثم قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "آذن من حولك"، فكانت تلك وليمةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، قال: فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحَوِّى لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، فسرنا حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى أحد فقال:"هذا جبل يحبنا ونحبه" ثم نظر إلى المدينة فقال: "اللهم إنى أُحَرِّمُ ما بين لابتيها بمثل ما حرم