للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٤٤٦ - سؤال: هل المحاج يشرع له أن يضحي؟

الجواب: نعم.

٤٤٧ - سؤال: مَن نسي الحلق والتقصير في العمرة؟

الجواب: يلزمه لُبسُ الإحرام، ويخلع المخيط، ثم يقصر.

٤٤٨ - سؤال: زيادة: (ولا وجهه) من طعن فيها من الأئمة؟

الجواب: لا: لا وجه له، بل الحديث رواه مسلم (١).


(١) قلت: أصل المسألة الحديث الذي يرويه الستة وأحمد وغيرهم من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قصة الرجل الذي كان واقفًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فوقع من راحلته فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه طيبًا ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا).
وهذا الحديث له ألفاظ متقاربة، ويرويه عن سعيد بن جبير اثنا عشر راويًا، وهذا تفصيل رواياتهم:

١ - رواية أبي الزبير:

أخرجه سلم (٢٩): عن هارون بن عبد الله، عن أسود بن عامر، عن زهير عنه، وفيه ذكر الوجه ولفظه: «وأن يكشفوا وجهه - حسبته قال: ورأسه» -. قال البيهقي: «ذكر الوجه على شك فيه في متنه، ورواية الجماعة الذين لم يشكوا وساقوا المتن أحسنَ سياقة أولى أن تكون محفوظة». اه -. كلام البيهقي، ويأتي مزيد بيان إن شاء الله. .

٢ - رواية إبراهيم بن أبي حرة:
أخرجه أحمد عن سفيان بن عيينة، عنه. بدون ذكر الوجه.

٣ - رواية عمرو بن دينار:
واختلف عليه في ذكرها كثيرًا، فالحديث يرويه عن عمرو أكثر من أربع عشرة نفسًا.
(أ) طريق الثوري:
أخرجه مسلم عن أبي كريب عن وكيع؛ وأخرجه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي كلاهما (الطنافسي وأبو كريب) عن وكيع عن الثوري عن عمرو، بذكر الوجه.
وتابع وكيعًا أبو داود الحفري: أخرجه النسائي (٢٧١٤) عن عبدة بن عبد الله الصفار عن الحفري عن سفيان، وفيه ذكر الوجه.
ورواه محمد بن كثير عند أبي داود (٣٢٣٨)، والبيهقي (٣: ٣٩١) عن الثوري. بدون ذكر الوجه.
ومن طريق مسلم المذكورة أخرجه البيهقي (٥: ٥٣)، وابن حزم (٧: ٩٢)، وقال ابن حزم: «خبر ثابت».
وقال البيهقي: «ورواه محمد بن عبد الله بن نمير عن وكيع دون ذكر الوجه فيه، وكذا رواه محمد بن كثير وعبد الله بن الوليد العدني عن سفيان. دون ذكر الوجه». اه -.
(ب) طريق ابن عيينة:
روى الحديث عنه أربعة: أحمد في المسند (١٩١٤)، والحميدي في مسنده (٤٦٦)، وابن أبي شيبة عند مسلم (٢٨٩١)، وابن أبي عمر عند الترمذي (٩٥١). وليس في شيء من ذلك ذكر الوجه.
(ج) طريق يونس بن نافع:
أخرجه النسائي (١٩٠٤) أخبرنا عتبة بن عبد الله حدثنا يونس. وليس فيه ذكر الوجه.
(د) طريق ابن جريج:
أخرجه أحمد (٣٢٣) عن يحيى عنه. وليس فيه ذكر الوجه.
وكذلك أخرجه النسائي (٢٨٥٨) أخبرنا عمران بن يزيد، حدثنا شعيب بن إسحاق، أخبرنا ابن جريج. وليس فيه ذكر الوجه.
(هـ -) طريق عمرو بن الحارث:
أخرجه ابن حبان (٣٩٢٨) أخبرنا ابن سلم عن حرملة عن ابن وهب عن عمرو. وليس فيه ذكر الوجه.
(و) طريق حماد بن زيد:
أخرجه مسلم (٢٨٩٢) حدثنا أبو الربيع الزهراني قال حدثنا حماد. وليس فيه ذكر الوجه.
وأخرجه البخاري (١٨٤٩) حدثنا سليمان بن حرب (ح)؛ وحدثنا مسدد (١٢٦٨) كلاهما [سليمان ومسدد] عن حماد عن عمرو. وليس فيه ذكر الوجه.
(ز) طريق سَليم (بفتح السين) بن حيان:
أخرجه الطبراني في الصغير (٢: ١٨٨) برقم (٤١). وليس فيه ذكر الوجه. ورواه - أعني: ذكر الوجه - عن عمرو بن دينار، كل من: عبد الله بن علي الأزرق، وأبان العطار، وأشعث بن سوار، وأبان بن صالح وابن ليلى، وأبو مريم، وعمر بن عامر، وكل رواياتهم عنه عند الطبراني (١٢: ٧٦ فما بعدها). ورواية عمر بن عامر أخرجها كذلك الدارقطني (٢: ١٩٥).

٤ - رواية أيوب السختياني:
أخرجها البخاري (١٢٦٥): حدثنا أبو النعمان عن حماد عن أيوب، ليس فيها ذكر الوجه.
وأخرجها النسائي عن قتيبة عن حماد وليس فيها ذكر الوجه.
وبمثل طريق النسائي أخرجها: البخاري بسنده ومتنه سواء (١٢٦٦)، وأخرجها أحمد (٣٧٦) عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب. وليس فيها ذكر الوجه.
وكذلك أخرجها أحمد (٢٥٩١) عن محمد بن جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب. وليس فيها ذكر الوجه.

٥ - رواية الحكم بن عتيبة:
أخرجها البخاري (١٨٣٩) عن قتيبة، عن جرير، عن منصور، عن الحكم. ورواها النسائي (٢٨٥٦): أخبرنا محمد بن قدامة، عن جرير به. وليس فيها ذكر الوجه.
وكذا رواها أبو داود (٣٢٤١): عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير. دون ذكر الوجه.
ورواها أحمد عن حسين، عن شيبان، عن منصور، عن الحكم. وليس فيها ذكر الوجه.
ثم أردفه أحمد برواية أسود: حدثنا إسرائيل بإسناده، إلا أنه قال: (ولا تغطوا وجهه).
ورواه مسلم في الصحيح (٢٩١): عن عبد بن حميد، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن منصور، عن سعيد، وفيها ذكر الوجه.
فأسقط إسرائيل الحكم.
وقد خالفه عمرو بن أبي قيس عند أبي عوانة برقم (٢: ٢٧٣)، وعبد بن حميد عن الدارقطني (٢: ١٩٥).
فهؤلاء أربعة: جرير، وشيبان، وعمرو بن أبي قيس، وعبيدة بن حميد، كلهم يذكرون الحكم ولا يذكرون الوجه إلا في رواية عبيدة.
قال البيهقي (٣: ٣٩٣): «هذا هو الصحيح: منصور عن الحكم عن سعيد، وفي متنه: (ولا تغطوا رأسه)، ورواية الجماعة في الرأس وحده، وذكر الوجه غريب». اه -.
وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله: «قد صحّ النهي عن تغطيتهما فجمعهما بعضهم وافرد بعضهم الرأس، وبعضهم الوجه، والكل صحيح، ولا وهم في شيء منه، وهذا أولى من تغليظ مسلم. ..».

٦ - رواية عبد الكريم الجزري:
أخرجها أحمد (٣٧٧): حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري. وليس فيها ذكر الوجه.
وكذا رواية عبيد الله بن عمرو عن الجزري عند الطبراني (١٢: ٨). ليس فيها ذكر الوجه.
وروى الطبراني (١٢: ٨) من طريق قيس بن الربيع عنه، وفيها ذكر الوجه، وقيس ضعيف، وقد خولف.

٧ - رواية أبي بشر:
واختلف عليه في ذكر الوجه، فيرويه عن أبي بشر:
(أ) شعبة: أخرجه سلم (٢٨٩٩)؛ عن محمد بن بشار وأبو بكر بن نافع، كلاهما عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي بشر، بذكر الوجه. وعن محمد بن جعفر: أخرجه أحمد (٠٢٦٠) بذكر الوجه.
وأخرجه النسائي (٢٨٥٤)، (٥: ٦٩٦): عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد الحذاء، عن شعبة، بذكر الوجه.
وأخرجه ابن ماجه (٣٨٤): حدثا علي بن محمد، عن وكيع، عن شعبة، بذكر الوجه.
ورواه ابن حبان (٣٩٦) من طريق: أبي أسامة، عن شعبة، بذكر الوجه. فهؤلاء أربعة يروونه عن شعبة بذكر الوجه: محمد بن جعفر - وهو من أثبت الناس فيه - ووكيع، وخالد الحذاء، وأبو أسامة.
(ب) هشيم:
أخرجه النسائي (٢٨٥٣)، والبخاري (١٨٥١) كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم به. دون ذكر الوجه.
وأخرجه أحمد (١٨٥) عن هشيم به. دون ذكر الوجه.
(ج) خلف بن خليفة:
أخرجه النسائي (٢٨٥٧): حدثنا محمد بن معاوية، عن خلف بن خليفة، عن أبي بشر، وفيه ذكر الوجه.
(د) أبو عوانة:
أخرجه مسلم (٢٨٩٨) حدثنا أبو كامل الجحدري، عن أبي عوانة به. دون ذكر الوجه. وأخرجه عن عفان حدثا أبو عوانة به. دون ذكر الوجه.
وأخرجه البخاري (١٢٦٧): حدثنا أبو النعمان، أخبرنا أبو عوانة به. دون ذكر الوجه.

٨ - رواية قتادة بن دعامة:
أخرجها أحمد (٢٥٩١): عن محمد بن جعفر، عن سعيد، عن قتادة وأيوب، عن سعيد بن جبي ربه. دون ذكر الوجه.
وقتادة لم يسمع من سعيد في قول يحيى ابن معين وأحمد؛ لكنه هنا مقرون، فرجع الحديث إلى أيوب.

٩ - رواية عطاء بن السائب:
أخرجها الطبراني (١٢: ٧٩) من طريقه عنه، عن سعيد. دون ذكر الوجه.

١٠ - رواية فضيل بن عمرو:
أخرجها الطبراني (١٢: ٧٣) من طريق شريك: عن سعيد بن صالح، عنه. دون ذكر الوجه، وفيها شريك.

١١ - رواية مطر الوراق:
أخرجها الطبراني (١٢: ٨١) من طريق: فضيل بن عياض، عن هشام بن حسان، عنه، وكذا أخرجها أبو عوانة (٢: ٢٧٢)، بذكر الوجه. ومطر ضعيف.

١٢ - رواية سالم الأفطس:
أخرجها الطبراني (١١: ٤٣٦) عن سعيد، دون ذكر الوجه، وبها قيس بن الربيع، وفيه كلام.
خلاصة ما مضى:
أولاً: طريق أبي الزبير عن سعيد:
وقد وقع فيها الشك، أخرجها مسلم، وتقدم كلام البيهقي وقد اضطرب حفظ أبي الزبير لها، فحفظ الوجه، وشك في الرأس، مع أن الرأس لا خلاف في ذكره، فهذا مما يدل على أنه لم يحفظ كما ينبغي.
ثانيًا: طريق عمرو بن دينار عن سعيد:
(أ) من طريق الثوري: ذكرها وكيع عنه، واختلف عليه:
فذكرها الطنافسي وأبو كريب، ولا يذكرها عن الثوري عبد الله بن الوليد ولا محمد بن كثير، ويذكرها أبو داود الحفري؛ فكونها محفوظة في طريق الثوري محل نظر.
(ب) ورواها عن عمرو من تقدم ذكرهم، وأما سائر أصحاب عمرو من كبار الحفاظ - كابن عيينة وحماد وابن جريج ويونس وعمرو بن الحارث وقيس بن سعد - فلا يذكرونها أصلا، فهي منكرة من طريق عمرو.
ثالثًا: طريق الحكم عن سعيد:
جاءت الزيادة عنه من طريق إسرائيل عن منصور عنه، وخالف إسرائيل شيبان فلم يذكرها، وكذا لا يذكرها جرير، ولا عمرو بن أبي قيس. فالزيادة في طريق الحكم غير محفوظة.
وكلام ابن التركماني المتقدم ليس بشيء، ولا يجيء على طريقة الأوائل في مثل هذا الموضع.
رابعًا: طريق منصور بن المعتمر عن سعيد:
وجاءت الزيادة عند مسلم من طريق عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن منصور.
وهذه الرواية وقع وهم فيها في السند والمتن؛ فرجعت إلى طريق الحكم دون ذكر الوجه، كما تقدم.
خامسًا: طريق أبي بشر عن سعيد:
(أ) الزيادة من هذا الطريق رواها عن شعبة وكيع ومحمد بن جعفر وخالد الحذاء وأبو أسامة.
(ب) طريق خلف بن خليفة جاءت من طريق واحد عند النسائي، أخرجها عن محمد بن معاوية عن خليفة، وأما سائر أصحاب أبي بشر - كهشيم وأبي عوانة - فلا يذكرونها، وكونها محفوظة عن أبي بشر إنما هذا من ناحية التحمل عنه؛ لكن من جهة حفظه إياها فمحل نظر؛ فسائر الرواة عن سعيد - كأيوب وإبراهيم بن أبي حرة وعبد الكريم الجزري - لا يذكرونها أصلًا، إذًا شعبة بريء من العهدة، والحمل في ذلك على أبي بشر في ذكرها.
ومما يدل على ذلك: أن هشيمًا وأبا عوانة لا يذكرون الزيادة، وهما من هما. قال علي بن حجر: «هشيم في أبي بشر مثل ابن عيينة في الزهري، سبق الناس هشيم في أبي بشر»، وقال ابن المبارك: «من غير الدهرُ حفظَه فلم يغير حفظ هشيم»، وقال ابن مهدي: «حفظ هشيم أثبت من حفظ أبي عوانة، وكتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم». اه -. الكمال (٣: ٢٨٢). قلت: قد اجتمعا.
والحقيقة: أن القول بأنها محفوظة في الحديث قول فيه بعد، مع أن مسلمًا - رحمه الله - أخرج الحديث عن أصحاب عمرو - كسفيان بن عيينة وحماد وابن جريج - ثم جعل طريق الثوري عن عمرو آخر ما ذكره. ثم أخرج مسلم الحديث عن أصحاب أبي بشر، فبدأ برواية هشيم ثم أبي عوانة، ثم جعل طريق شعبة عن أبي بشر آخر ما ذكره. ثم أخرج في آخر الباب حديث أبي الزبير عن سعيد، وحديث منصور عن سعيد، والمتتبع لطريقة مسلم في كتابه الصحيح يجده يقدم الأصح أولًا في الأغلب- ثم يُردفه، بما دونه، فمسلم مع إخراجه له قد صنع به ما ترى.
وقد بوب النسائي للحديث باب (النهي عن أن يخمر وجه المحرم ورأسه إذا مات).
وقال ابن حزم - رحمه الله -: «إنه خبر ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره في الذي مات محرمًا ألا يخمر رأسه ولا وجهه. رويناه من طرق حجة، منها طريق مسلم: حدثنا أبو كريب. . .». فذكره.
وحكى ابن المنذر الخلاف، ولم يرجح (٥: ٣٤٥).
وقال البيهقي - رحمه الله -: (٥: ٥٣): «باب لا يغطي المحرم رأسه، وله أن يغطي وجهه»، وذكر بعض الطرق عن سعيد عن ابن عباس والاختلاف في الزيادة. . . وقد مررنا على ذلك بتمامه، ثم أسند عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه قال: رأيت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان. وكذا أخرجه ابن حزم (٧: ٩١).
قلت: أثر عثمان أخرجه مالك (١: ٣٢٧). وأسند البيهقي - أيضًا - من طريق ابن عيينة: عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حُرُم. وأسند - أيضًا - عن يعلى بن عبيد، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه - قال: يغتسل المحرم، ويغسل ثيابه، ويغطي أنفه من الغبار، ويغطي وجهه وهو نائم. اه -. وأخرجه ابن حزم - أيضًا -.
ثم قال البيهقي: «خالفهم ابن عمر»، وأسند من طريق مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم. اه -.
وأخرج ابن حزم كذلك من طريق: عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن الفرافصة بن عمير، قال: كان عثمان وزيد بن ثابت وابن الزبير يخمرون وجوههم وهم محرمون.
وأسند ابن حزم من طريق عبد الرزاق: عن الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس، أنه قال: المحرم يغطى ما دون الحاجب.
ثم قال ابن حزم: «وعن عبد الرحمن بن عوف - أيضًا - إباحة تغطية المحرم وجهه، وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد وعلقمة وإبراهيم النخعي والقاسم بن محمد، كلهم أفتى المحرم بتغطية وجهه، وبين بعضهم من الشمس والغبار والذباب .. وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأبي سليمان وأصحابهم. وروي عن ابن عمر: لا يغطي المحرم وجهه، وقال به مالك، ولم ير على المحرم إن غطى وجهه شيئًا: لا فدية ولا صدقة ولا غير ذلك، إلا أنه كرهه فقط، بل قد روي عه ما يدل على جواز ذلك ..». اه -.
وقال أبو الطيب في تعليقه على الدارقطني (٢: ٢٩٦): «وقال الحاكم في كتاب علوم الحديث وذكر الوجه: في الحديث تصحيف لرواية الجماعة الثقات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته ولا تغطوا رأسه. اه -. والمرجع في ذلك إلى مسلم، لا إلى الحاكم؛ فإن الحاكم كثير الأوهام. وأيضًا: فالتصحيف إنما يكون في الحروف المتشابهة، وأي مشابهة بين الوجه والرأس في الحروف»، إلى آخر كلام أبي الطيب.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (١١: ٤٥): «اختلف العلماء في تخمير المحرم وجهه بعد إجماعهم أنه لا يخمر رأسه فكان ابن عمر فيما رواه مالك وغيره عه يقول: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم؛ ولذلك ذهب مالك وأصحابه، وبه قال محمد بن الحسن من غير خلاف عن أصحابه، قال ابن القاسم: كره مالك للمحرم أن يغطي ذقنه أو شيئًا مما فوق ذقنه؛ لأن إحرامه في وجهه ورأسه، قيل لابن القاسم: فإن فعل أترى عليه فدية؛ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئًا، ولا أرى عليه شيئًا، لما جاء عن عثمان في ذلك. وقد روي عن مالك: من غطى وجهه وهو محرم أنه يفتدي، وفي موضع آخر من كتاب ابن القاسم: أرأيت محرمًا غطى وجهه ورأسه في قول مالك. قال: قال مالك: إن نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه فلم ينزعه مكانه حتى انتفع بذلك افتدى، قلت: وكذلك المرأة إذا غطت وجهها؟ قال: نعم.
إلا أن مالكًا كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترًا، وإن كانت لا تريد سترًا فلا تسدل.
قال أبو عمر: روي عن عثمان وابن عباس وعبد الرحمن بن عوف وابن الزبير وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله: أنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه، فهم مخالفون لابن عمر في ذلك، وعن القاسم بن محمد وطاووس وعكرمة: أنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه، وقال عطاء: يخمر المحرم وجهه إلى حاجبيه، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود، وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كان عثمان وزيد بن ثابت يخمران وجوههما وهما محرمان، وكل من سمينا في هذا الباب من الصحابة ففي كتاب عبد الرزاق». اه -.
قلت: الآثار عن الصحابة وغيرهم انظرها في: المصنف (٣: ٢٧١) لابن أبي شيبة.
وقال أبو محمد في المغني (٥: ١٥٣): «وفي تغطية المحرم وجهه روايتان:
إحداهما: يباح ذلك، روي ذلك عن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وابن الزبير وسعد بن أبي وقاص وجابر والقاسم وطاووس والثوري والشافعي.
الثانية: لا يباح، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك؛ لما روي عن ابن عباس: أن رجلًا وقع عن راحلته فوقصته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة يلبي)؛ ولأنه محرم على المرأة فحرم علي الرجل كالطيب.
ولنا: ما ذكرنا من قول الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفًا في عصرهم، فيكون إجماعًا، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها)، وحديث ابن عباس المشهور فيه: (ولا تخمروا رأسه)، هذا المتفق عليه وقوله: (ولا تخمروا وجهه)، فقال شعبة: حدثنيه أبو بشر، ثم سألته عه بعد عشر سنين فجاء بالحديث كما حدث، إلا أنه قال: (ولا تخمروا وجهه ورأسه)، وهذا يدل على أنه ضعيف في هذه الزيادة، وقد روي في بعض ألفاظه: (خمروا وجهه، ولا تخروا رأسه) فتتعارض الروايتان، وما ذكره يبطل بلبس القفازين». اه -. وقال في الفروع (٣: ٢٧١): «ويجوز تغطية الوجه في رواية اختارها الأكثر وفاقًا للشافعي، وفعله عثمان، ورواه أبو بكر النجاد عنه وعن يزيد وابن الزبير، وأنه قاله ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وجابر وعن ابن عمر روايتان، روى النهي عن مالك، ولأنه لم تتعلق سنة التقصير من الرجل فلم تتعلق به حرمة التخمير كسائر بدنه وعنه لا يجوز». اه -.
قلت: الروايتان عن ابن عمر أخرجهما مالك:
الرواية الأولى: عن نافع عن ابن عمر، وكان يقول: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم.
والرواية الثانية: من الطريق نفسها: أن عبد الله بن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله ومات بالجحفة محرمًا وخمر رأسه ووجهه، وقال: لولا أنا حرم لطيبناه.
قال مالك: «وإنما يعمل الرجل ما دام حبًا، فإذا مات فقد انقضى العمل» اه -.
قلت: قول مالك هذا يرده الحديث الثابت في الباب وتعليل النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا).
ولهذا قال ابن القيم في الهدي (٢: ٢٤٥) على فوائد القصة وأحكامها:
«الحكم الثاني عشر: بقاء الإحرام بعد الموت وأنه لا ينقطع به، وهذا مذهب عثمان وعلي وابن عباس وغيرهم - رضي الله عنه -، وبه قال أحمد والشافعي وإسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي: ينقطع الإحرام بالموت، ويصنع به كما يصنع بالحلال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث)، قالوا: ولا دليل في حديث الذي وقصته راحلته؛ لأنه خاص به كما قالوا في صلاته على النجاشي إنها مختصة به، وقال الجمهور: د عوى التخصيص على خلاف الأصل، فلا تقبل. وقوله في الحديث: فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا) إشارة إلى العلة». اه -.
وقال ابن القيم قبل ذلك: «الحكم الحادي عشر: منع المحرم من تغطية وجهه وقد اختلف في هذه المسألة:
فذهب الشافعي وأحمد في رواية إباحته.
ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في رواية المنع منه.
وبإباحته قال ستة من الصحابة: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، والزبير وسعد بن أبي وقاص، وجابر - رضي الله عنه -.
وفيه قول ثالث شاذ: إذ كان حيًا فله تغطية وجهه، وإن كان ميتًا لم يجز تغطية وجهه، قاله ابن حزم، وهو اللائق بظاهريته.
واحتج المبيحون بأقوال هؤلاء الصحابة وبأصل الإباحة وبمفهوم قوله: (ولا تخمروا رأسه)، وأجابوا عن قوله: (ولا تخمروا وجهه)، بأن هذه اللفظة غير محفوظة، قال شعبة: حدثنيه أبو بشر ثم سألته عند بعد عشر سنين فجاء بالحديث إلا أنه قال: (ولا تخمروا رأسه)، قالوا: وهذا يدل على ضعفها، قال: وقد روي في هذا الحديث: فخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه». اه -. وانظر: تهذيب السنن له (٤: ٣٥٢).
وقال النووي - رضي الله عنه - في المجموع (٧: ٢٨): «(فرغ): مذهبنا أنه يجوز للرجل المحرم ستر وجهه ولا فدية عليه، وبه قال جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز كرأسه، واحتج لهما بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم الذي خرّ من بعيره: (ولا تخمروا وجهه ولا رأسه)، رواه مسلم. وعن ابن عمر أنه كان يقول: ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم، رواه مالك والبيهقي، وهو صحيح عنه.
واحتج أصحابنا برواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم.
وهذا إسناد صحيح، وكذلك رواه البيهقي، ولكن القاسم لم يدرك عثمان وأدرك مروان، واختلفوا في مكان إدراكه زيدًا.
وروى مالك والبيهقي بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان.
والجواب عن حديث ابن عباس: أنه إنما نهى عن تغطية وجهه لصيانة رأسه، لا لقصد كشف وجهه، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه، ولا بد من تأويله؛ لأن مالكًا وأبا حنيفة يقولان: لا يمتنع من ستر رأس الميت ووجهه، والشافعي وموافقوه يقولون: يباح ستر الوجه دون الرأس، فتعين تأويل الحديث، وأما قول ابن عمر فمعارَض بفعل عثمان وموافقيه. والله أعلم». اه -.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (٤: ٥٤): «وقوله: (يبعث ملبيًا): أي: على هيئته التي مات عليها، واستُدل بذلك على بقاء إحرامه، خلافًا للمالكية والحنفية، وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختُلف في ثبوتها، وهي قوله: (ولا تخمروا وجهه)، فقالوا: لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنهم لا يقولون بظاهر الحديث فيمن مات محرمًا، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث، وقالوا: إن في ثبوت ذكر الوجه مقالًا، وتردد ابن المنذر في صحته.
قال البيهقي: ذكر الوجه غريب، وهو وهم من بعض رواته.
وفي كل ذلك نظر؛ فإن الحديث ظاهره الصحة، ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث، قال منصور: (ولا تغطوا وجهه)، وقال أبو الزبير: (ولا تكشفوا وجهه)، وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ: (ولا تخمروا وجهه ولا رأسه)، وأخرج مسلم - أيضًا - من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ: (ولا يمس طيبًا خارج رأسه). قال شعبة: ثم حدثني في به بعد ذلك فقال: (خارج رأسه ووجهه)، انتهى. وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية، وشعبة أحفظ من كل من روى هذا الحديث. .». اه -.
قلت: هذا على لفظ مسلم، وفيه تقديم وتأخير، وإلا فسياق النسائي وغيره يدفع كلام الحافظ من أصله، وهو صريح، وقول الحافظ: «وشعبة أحفظ. .» إن أراد أصل الحديث فلا، وان أراد طريق أبي بشر فنعم، فكان ماذا؟ وجل أصحاب سعيد لا يذكرونها؟!
والذي يتحرر لي: جواز التغطية للوجه من حاجة كحر أو غبار أو نحو ذلك، وقد جاء هذا عن بعض الصحابة، وحكي مذهب الجمهور بلا تقييد، كما تقدم، فأما من غير حاجة فترفية أفضل وأحوط، وهذا نوع من الجمع بين الآثار والحديث، على ما في الزيادة من كلام كما تبين لك. والراجح عندي أنها شاذة، هذا من ناحية.
أما من ناحية إيجاب الفدية في تغطية الوجه فلا أرى ذلك أصلًا؛ فلا تشغل ذمة مسلم بحديث هذا حاله (على أن إيجاب الفدية في غير حلق الرأس ما هو معلوم).

<<  <   >  >>