وأخرج البيهقي من طريق الشافعي؛ وفيه علتان: شيخ الشافعي هو الأسلمي متروك، وكذلك هو مرسل، فإن عبيد الله بن عبد الله تابعي.
ولهذا، الأثر متابع؛ فقد رواه عبد الرزاق، عن عمر، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد القارئ، عن عبيد الله، ولفظه: يكبر الإمام يوم الفطر قبل أن يخطب تسعًا حين يريد القيام، وسبعًا في (هكذا في المطبوع بتحقيق الأعظمي. ولعل فيه سقطًا) عالجته على أن يفسر لي أحسن من هذا فلم يستطع، فظننت أن قوله: حين يريد القيام في الخطبة الآخرة. ورواه البيهقي [السنن (٣: ٢٩٩)] من طريق الدراوردي، عن عبد الرحمن ين عبد القارئ: أن إبراهيم بن عبد الله حدثه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود، أنه قال: من السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات، وسبعًا حين يقون ثم يدعو ويكبر بعدُ ما بدا له. قال البيهقي: ورواه غيره عن إبراهيم، عن عبيد الله: تسعًا تترى إذا قام في الأولى، وسبعًا تترى إذا قام في الخطبة الثانية. ثم أسنده البيهقي عن الشافعي عن الأسلمي، كما تقدم. -ورواه عبد الرزاق [المصنف (٣: ٢٩٠)] عن ابن أبي يحيى (وهو الأسلمي)، عن عبد الرحمن بن محمد، عن عبيد الله، به. ولم يذكر إبراهيم بن عبد الله. - ورواه - أيضًا - عن ابن جريح، عن إبراهيم، عن عبيد الله، نحوه، وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله هذا، قال عنه في التعجيل: مجهول. قلت: ظنه الحافظ الذي ذكره ابن حبان في الثقات (٧: ٦٥)، وأنه عبد الرحمن بن أبي عتيق ... إلخ والصواب: أنه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ، ترجم له البخاري في التاريخ (٥: ٣٤٦)، وذكر أنه روى عن إبراهيم عن عبد الله، ونقل في الجرح والتعديل (٥: ٢٨١) توثيقه عن ابن معين، ونسب أباه إلى جده، قال ابن أبي حاتم: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: عبد الرحمن بن محمد عبد القارئ ثقة. اه -. والذي يظهر لي - أيضًا -: أن شيخه في الإسناد هو أخوه ينسب إلى جده، فهو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ، قال في الجرح (٢: ١٢٣): روى عنه أخوه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ، وذكره البخاري في تاريخه (١: ٣٠٠). والظاهر أنه مجهول. هذا ما تبين لي في هذا الإسناد المشكل. وبكل حال: كل طرق هذا الأثر المرسل معلولة، فالأول تقدم الكلام عليه، والثاني: به محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد القارئ، وهو لين، وفي سماعه من عبيد الله نظر. والثالث: به إبراهيم، وهو مجهول. والرابع: به الأسلمي، وحاله معروفة. والخامس: به إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ. وابن جريح لم يذكر سماعًا. حديث آخر: قال ابن ماجه في [سننه (١: ٤٠٩)]: حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا أبو بحر، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، ثنا إسماعيل بن مسلم الخولاني، ثنا أبو الزبير، عن جابر - رضي الله عنهم - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى، فخطب قائمًا ثم قعد قعدةً، ثم قام. وهذا الحديث مع عدم صراحته، فإسماعيل بن مسلم هو المكي ضعيف، وكذلك أبو بحر، وهو عبد الرحمن بن عثمان بن أمية الثقفي. وقد روى هذا الحديث ابن خزيمة (٣: ١٣٤)، والبيهقي (٣: ١٩٨) من طريق: الباقر محمد بن علي بن الحسين، عن جابر، ولفظه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما، ويخطب وهو قائم». ورواه عبد الرزاق (٥٢٥٤) من طريق: أبي الزبير، عن جابر، بسياق مختلف يدل على أن الخطبة كانت في المسجد، فذكر العيدين ليس بمحفوظ في حديث جابر هذا. حديث آخر: قال البزار في البحر الزخار (٣: ٣٢١): حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا مهاجر ابن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بغير أذان ولا إقامة، وكان يخطب خطبتين قائمًا فيفصل بينهما بجلسة». وهذا سند واه، عبد الله بن شبيب ضعيف جدًا. وقال الهيثمي (٢: ٢٠٣): الحديث رواه البزار وِجادةً، وفي إسناده مَن لم أعرفه. حديث آخر: روى البيهقي (٣: ٢٩٩) من طريق: هشام بن عمار، حدثنا حاتم [يعني: ابن إسماعيل] ثنا محمد بن عجلان، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقعد يوم الجمعة والفطر والأضحى على المنبر، فإذا سكت المؤذن يوم الجمعة قام فخطب، ثم جلس، ثم يقوم فيخطب، ثم ينزل فيصلي. فجمع إن كان محفوظًا بين الجمعة العيدين في القعدة، ثم رجع الخبر إلى حكاية الجمعة ا. هـ -. كلام البيهقي. وهذا إسناد ضعيف؛ حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ضعفه أحمد وأبو حاتم، وقال النسائي: متروك، وقال أحمد: له أشياء منكرة، وقال العقيلي: له غير حديث لا يتابع عليه، والحديث راجع إلى الجمعة لا العيدين، كما قال البيهقي. حديث آخر: قال ابن خزيمة: باب عدد الخطب في العيدين والفصل بين الخطبتين بجلوس، حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب وهو قائم، وكان يفصل بينهما بجلوس. وأخرجه النسائي [في المجتبى (٣: ١٠٩)] من طريق بشر تحت باب (الفصل بين الخطبتين بالجلوس)؛ لكن في أبواب الجمعة وفي خطبتها. وأخرجه البخاري تحت باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة من طريق بشر، وكذا أخرجه مسلم في أحاديث الجمعة؟ فالحديث في خطبتي الجمعة لا العيدين. قال أبو محمد في المغني (٣: ٢٧٦) - بعد قول صاحب المتن ما نصه: «مسألة: فإذا سلم خطب بهم خطبتين يجلس ينهما، فإن كان فطرًا حضهم على الصدقة، وبين لهم ما يخرجون، وإن كان أضحى يرغبهم في الأضحية، ويبين لهم ما يضحى به -: «وجملته: أن خطبتي العيدين بعد الصلاة لا نعلم فيه خلافًا بين المسلمين»: ثم قال: «فصل: الخطبتان سنة؛ لا يجب حضورهما ولا استماعهما. ..» إلخ. وقال النووي في المجموع (٥: ٢٨): «يسن بعد صلاة العيد خطبتان على منبر. ..» إلخ. وقال - أيضًا - في «خلاصة الأحكام» على المسألة (٢: ٨٣٨): «ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة». وقال الزركشي (٢: ٢٢٧): «والسنة أن يخطب خطبتين؛ يجلس بينهما». وقال في تحفة المحتاج (٣: ٤٥): «ويسن خطبتان قياسًا على تكرارهما في الجمعة». وقال الخرشي في شرحه (٢: ١٠٤): «وندب خطبتان كالجمعة». وقال ابن القيم في الهدي (ا: ٤٤٧): «وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير، وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد القرظ (مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم -): أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة، ويكثر التكبير في خطبتي العيدين ..» إلخ. والنقول من كتب الفقه كثيرة. قلت: وقال شيخنا ابن باز - رحمه الله - في تعليقه على سنن ابن ماجه سنة: (١٤٠٩) في شهر جمادى الأولى، ما نصه: «العلماء ألحقوا العيد بالجمعة في الخطبتين، فلا ينبغي العدول عن هذا». ا. هـ -. بحروفه. وقال شيخنا - أيضًا - في شرح المنتقى سنة: (١٤١٢)، وذلك يوم الاثنين في التاسع والعشرين من شهر ريع الأول من السنة المذكورة ما نصه: «خطبة العيد خطبتان، وأثر عبيد الله مرسل فهو ضعيف، لكن يتأيد عند الجمهور بأنه مثل الجمعة فألحقوها بهاء وتتابع العلماء على ذلك». اه -. بحروفه. فحاصل الأدلة: الأثر المرسل والمرفوع ضعيف والقياس على الجمعة. وأيضًا: القائل به جمهور الأمة إن لم يكن إجماعًا، بل قال ابن حزم - رحمه الله - في المحلى (٥: ٨٢): «فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة. ..» إلخ. ونقل ابن المنذر في الأوسط (٤: ٢٨٧) عن مالك ما يدل على الخطبتين. فهذا من العمل المتوارَث بين المسلمين، ينقله العلماء الأوائل مقرين له، ويذكرونه في التراجم وفي كتب الفقه على اختلاف العصور، والبلدان، والمذاهب. قال ابن رجب - رحمه الله تعالى - في فتح الباري، ما نصه: «وهذا مما يدل على أن بعض ما أجمعت الأمة عليه لم ينقل إلينا فيه نص صريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يكتفي بالعمل به». قاله - رحمه الله - في التكبير المقيد عقب الصلوات. هذا ما تيسر إيراده، وفيه الكفاية لكل ذي لب، وإنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. والحمد لله رب العالمين.