العقائد تنقسم إلى ما يُدرك عقلاً، ولا يسوغ تقدير إدراكه سمعاً، وإلى ما يُدرك سمعاً، ولا يتقدر إدراكه عقلاً، وإلى ما يجوز إدراكه سمعاً وعقلاً.
فأما ما لا يُدرك إلا عقلاً، فكل قاعدة في الدين تتقدم العلم بكلام الله تعالى ووجوب اتصافه بكونه صدقاً، إذ السمعيات تستند إلى كلام الله تعالى، وما يسبق ثبوته في الترتيب ثبوت الكلام وجوباً، فيستحيل أن يكون مدركه السمع.
وأما ما لا يُدرك إلا سمعاً، فهو القضاء بوقوع ما يجوز في العقل وقوعه، ولا يجب أن يتقرر الحكم بثبوت الجائز ثبوته فيما غاب عنا إلا بسمع. ويتصل بهذا القسم عندنا جملة أحكام التكليف، وقضاياها من التقبيح والتحسين، والإيجاب والحظر، والندب والإباحة.
وأما ما يجوز إدراكه عقلاً وسمعاً، فهو الذي تدل عليه شواهد العقول، ويُتصور ثبوت العلم بكلام الله تعالى متقدماً عليه. فهذا القسم يُتوصل إلى دركه بالسمع والعقل. ونظير هذا القسم إثبات جواز الرؤية، وإثبات استبداد الباري تعالى بالخلق والاختراع، وما ضاهاهما مما يندرج تحت الضبط الذي ذكرناه. ....
فإذا ثبتت هذه المقدمة، فيتعين بعدها على كل معتن بالدين واثق بعقله أن ينظر فيما تعلقت به الأدلة السمعية، فإن صادفه غير