للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضاً: (قال أبو محمد: غلاة المرجئية طائفتان:

إحداهما: الطائفة القائلة بأن الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله عز وجل، وليّ له عز وجل من أهل الجنة، وهذا قول محمد ابن كرام السجستاني وأصحابه وهو بخراسان وبيت المقدس.

والثانية: الطائفة القائلة أن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية، وعبد الأوثان، أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب، وأعلن التثليث في دار الإسلام، ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، وليّ لله عز وجل من أهل الجنة، وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسب كاتب الحارث بن سريج التميمي أيام قيامه على نصر بن سيار بخراسان، وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي اليسر الأشعري البصري وأصحابهما.

فأما الجهمية فبخراسان، وأما الأشعرية فكانوا ببغداد والبصرة ثم قامت له سوق بصقلية والقيروان والأندلس، ثم رق أمرهم والحمد لله رب العالمين .. ) (١) اهـ.

وقال في رده على ابتداع الأشاعرة القول بالكلام النفسي، وأن القرآن ليس هو نفس كلام بل عبارة عنه: (وقالوا كلهم -أي الأشعرية-: إن القرآن لم ينزل به قط جبريل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما نزل عليه بشيء آخر هو العبارة عن كلام الله، وأن القرآن ليس عندنا البتة إلا على هذا المجاز، وإن الذي نرى في المصاحف ونسمع من القراء ونقرأ في الصلاة ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتة، ولا شيء منه كلام الله البتة، بل شيء آخر، وإن كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله عز وجل.

قال أبو محمد: وهذا من أعظم الكفر، لأن الله تعالى قال: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}، وقال تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك}، وقال تعالى: {فأجره حتى يسمع كلام الله}، وقال تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أحب أن أسمعه من غيري" يعني: القرآن. . . .

إلى أن قال: وقال السمناني أيضاً: أن الباقلاني وشيوخه قالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أطلق القول بأن ما أنزل الله هو القرآن وهو كلام الله تعالى إنما هو على معنى أنه عبارة عن كلام الله تعالى، وأنه يُفهم منه أمره ونهيه فقط. .

إلى أن قال: ولقد أخبرني علي بن حمزة المراوي الصقلي الصوفي: أنه رأى بعض الأشعرية يبطح المصحف برجله، قال: فأكبرت ذلك، وقلت له: ويحك هكذا تصنع بالمصحف؟ وفيه كلام الله تعالى، فقال لي: ويلك، والله ما فيه إلا السخام والسواد، وأما كلام الله فلا، ونحو هذا من القول الذي هذا معناه.

وكتب إلي أبو المرحي بن رزوار المصري: أن بعض ثقاة أهل مصر أخبره من طلاب السنن: أن رجلاً من الأشعرية قال له مشافهة: على من يقول أن الله قال {قل هو أحد الله الصمد ألف لعنة}.

قال أبو محمد: بل على من يقول: إن الله عز وجل لم يقلها ألف ألف لعنة تترى، وعلى من ينكر أننا نسمع كلام الله، ونقرأ كلام الله، ونحفظ كلام الله، ونكتب كلام الله، ألف ألف لعنة تترى من الله عز وجل. فإن قول هذه الفرقة في هذه المسألة نهاية الكفر بالله عز وجل، ومخالفة للقرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومخالفة جميع أهل الإسلام قبل حدوث هذه الطائفة الملعونة .. ) (٢) اهـ.

وقد تعقب في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" كثيراً


(١) المرجع السابق (٤/ ٢٠٤).
(٢) المرجع السابق (٤/ ٢١١ - ٢١٢).

<<  <   >  >>