للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَوَلَمْ يَعلم الإنسانُ، يَعني: أُبَي بن خَلف {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس: ٧٧] يعني: بَيِّن الخُصومة فيما يُخاصِم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} [يس: ٧٨] يقول: ووصف لنا شَبَهًا في أمرِ العَظْمِ، ونَسِيَ خَلْقَهُ وتَرَكَ النَّظَرَ في بَدءِ خَلق نَفْسِهِ فلم يَتَفَكَّر في خَلْق نَفْسِه فَيَعتبر؛ إذْ خُلِقَ من نُطفة، ولم يَكُ قَبْلَ ذلك شيئًا {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} [يس] يعني: بَالية، قُلْ يا مُحمدُ لأُبَي بنِ خَلف: يُحْيِيها يَومَ القِيامَة الذي «أَنْشَأَهَا» يعني: الذي خَلقها «أولَ مَرَّة» في الدنيا ولم تَكُ شَيئًا «وهو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم» يقول: عليمٌ بِخَلْقِهم أولَ ما خَلَقَهُم في الدنيا، وعليمٌ بِخَلقهم إذا بَعَثَهُم في الآخرة أحياءً بعد الموتِ خَلقًا جَديدًا، ثم أَخبَرَ عَن صُنعه ليعتبروا في البَعث، فقال: قل يا محمد: يُحييها -يعني العظام- {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)} [يس] وأنتم تُبصرون أنَّ النَّارَ تَأكلُ الحَطَبَ فهو قادرٌ على البعث، ثم ذكر ما هو أعظم خَلقًا من الإنسان، ليكون ذلك لهم عبرة فقال: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [يس: ٨١] يقول: أما الذي خلق السماوات والأرض-لأنهم يُقِرُّون أنَّ اللهَ خلق السماوات والأرض، فهذا أعظم خلقًا من الإنسان- {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: ٨١] على أن يَخلُقَ في الآخرة مِثْلَهُم، يقول: مِثل خَلقِهِم في الدنيا، ثم قال لنفسه: بَلى هو قادرٌ على ذلك

{وَهُوَ الْخَلَّاقُ} [يس: ٨١]، يَخْلُقُهم في الآخرةِ خَلقًا جَديدًا {الْعَلِيمُ} بِبَعْثِهِم، ثم قال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} [يس: ٨٢] يعني: من البعث وغيره {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس] ثم عَظَّمَ نَفْسَهُ ونَزَّهَ نَفْسَهُ عن قولهم: أنه لا يقدر على البعث فقال: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} يعني: خَلْق كُلِّ شَيء

<<  <   >  >>