للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بنُ الجَهَمِ السِّمَّرِيُّ، قال: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى ابنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (١) يَقُولُ في قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧]، «يَقُولُ القَائِلُ: مَا هَذَا الاسْتِثْنَاءُ، وقَد وَعَدَ اللهُ أَهْلَ النَّارِ الخُلُودَ، وأَهْلَ الجَنَّةِ الخُلُودَ؟ فَفِي ذَلِكَ مَعْنَيَان: أَحَدُهُما، أَنْ يَجْعَلَهُ اسْتِثْنَاء يَسْتَثْنِيهِ، ولَا يَفْعَلُهُ كَقَولِكَ: واللهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، وعَزِيمَتُكَ عَلَى ضَرْبِهِ، ولِذَلِكَ قال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧]، ولا يَشَاءُ.

والقَوْلُ الآخَر، أَنَّ العَرَبَ إِذَا اسْتَثْنَت شَيئًا كَبيرًا مَع مِثْلِه، أو مَع مَا هُو أَكْثَر مِنْهُ، كَانَ مَعْنَى إِلَّا ومَعْنَى الوَاو سَوَاءٌ، فَمِن ذَلِكَ قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: ١٠٧]، سِوَى مَا يَشَاء مِن زِيَادَة الخُلُود، فَيَجْعَلُ إِلَّا مَكَانَ سِوَى، فَيَصْلُح، وكَأَنَّهُ قال: خَالِدِينَ فِيهَا مِقْدَار مَا كَانَت السَّمَواتُ والأَرْضُ سِوَى مَا زَادَهُم مِنَ الخُلُودِ والأَبَد، ومِثْلُه في الكَلَامِ أَنْ تَقُول: لِي عَلَيْكَ أَلْف إِلَّا الألْفَيْن اللذَيْن مِن قِبَلِ فُلَان، أَفَلا تَرَى أَنَّه في المَعْنَى: لِي عَلَيْكَ أَلْف سِوَى الأَلْفَين.

قال الفَرَّاءُ: وهَذَا أَحَبُّ الوَجْهَيْن إِلَيَّ؛ لِأَنَّ اللهَ - عز وجل - لا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، وقَد وصَلَ الاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِه: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} [هود]، فَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَهُم في الخُلُودِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُم».

(١١٨٧) أخبرنا أبو زَكَرِيَّا بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أخبرنا أبو الحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، في قوله - عز وجل -: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)}


(١) «معاني القرآن» (٢/ ٢٨).

<<  <   >  >>