للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فغالبُ من يكون بعيدَ الدار عن المسجد إذا أتى حين يسمع الاقامة تفوته التكبيرة.

والفرق بين هذا الموضع وغيره: أنه جاء فضل عظيم فيمن يدرك حدَّ الصلاة. وإدراكُ الحدِّ أن يدرك أولها، وهو أن يدرك الصلاة قبل تكبيرة الإمام، ليكون خلف الإمام إذا كبَّر للافتتاح. وهذا القدر لا ينجبر إذا فات لأنه يكون مُدرِكًا للركعة ولو أدرك الإمامَ في الركوع، بخلاف ما إذا فاتته الركعة، فإنه يمكن أن يقضي ما فاته؛ وبخلاف ما إذا فاته حدُّ الصلاة فإنه قد أيس من إدراك الحدِّ. فإذا كان هذا المقصود العظيم الذي لا ينجبر فواته يحصُل بإسراع يسير لم يُكرَه ذلك.

فأمَّا الإسراع لإدراك الركعة، فباقٍ على عموم الحديث؛ بل هو المقصود منه لأنَّ الفوات إنما يكون بفوات الركعة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكرة لمَّا أسرع لإدراك الركوع: «زادك الله حرصًا، ولا تَعُد» (١).

وإن خشي فواتَ الجماعة أو الجمعة بالكلِّيّة، فلا ينبغي أن يُكرَه له الإسراع هنا، لأنَّ ذلك لا ينجبر إذا فات. وقد علَّل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الأمرَ بالسكينة بقوله (٢): «فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا» (٣). فمن لا يرجو إدراكَ شيء إذا مشى وعليه السكينة، يدخل في هذا الحديث. وقد قيَّده في الحديث الآخر [ص ٢٣٥]: «إذا سمعتم الإقامة» (٤)، فعُلِمَ أنَّ الخطاب لمن


(١) أخرجه البخاري (٧٨٣).
(٢) في المطبوع: «لقوله».
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.