للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هذه المفاسد وغيرها. ولأنه إذا استأنى، وصلَّى البعضَ في الجماعة والبعضَ منفردًا، كان أصلح وأبلغ في اجتماع همِّه على الصلاة من الإسراع الشديد الذي تتعقبه الصلاة. ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكرة: «زادك الله حرصًا، ولا تَعُدْ» (١) ولهذا أمرَ - صلى الله عليه وسلم - بتقديم العَشاء والخَلاء على الصلاة ليجمع القلب عليها (٢).

فإن قيل: فقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩].

قلنا: «السعي» في كتاب الله لمعنى الفعل والعمل، دون العَدْو. قال تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤]. وقال: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: ١٩]. وقال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: ٢٠٥]. وقال تعالى عن فرعون: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: ٢٢]. وقال: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس: ٨]. وقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: ٣٣].

ومنه يقال: السعي على الصدقات، كما يقال: العامل عليها. وقد كان عمر - رضي الله عنه - يقول: فامضُوا إلى ذكر الله، وذروا البيع (٣). ويقول: لو قرأتُها:


(١) سبق تخريجه قريبًا.
(٢) أخرجه البخاري (٦٧١) ومسلم (٥٦٠) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) أخرجه البخاري تعليقًا قبل الحديث (٤٨٩٧). وأخرجه مالك في «الموطأ» (١٣) عن الزهري، وعقَّب عليه بتفسير لفظ «السعي».