والثاني: ما يعرضون فيه، ولا يقيمون، مثل السوق وموضع النوم عن الصلاة. فهذا تُكرَه الصلاة فيه، نصَّ عليه. ومتى أمكن طردهم بالصلاة والذكر لم تُكرَه الصلاة. ولهذا لم تكره الصلاة على البعير ولا إليه، بخلاف البقعة التي اتخذها موطنًا ومدارًا (١).
الفصل الخامس
في تحديد هذه الأماكن
أما المقبرة، فلا فرق فيها بين المقبرة الجديدة والعتيقة، وما انقلبت تربتها أو لم تنقلب، ولا فرق بين أن يكون بينه وبين الأرض حائل أو لا يكون؛ لما تقدَّم من الأحاديث وعمومها لفظًا ومعنًى، ولأنَّا قد بيَّنًا أنه لا يجوز أن يراد بتلك الأحاديث المقبرة العتيقة المنبوشة فقط، لأنه نهى عن الصلاة في المقبرة، ونهى عن اتخاذ القبور مساجد، ونهى عن اتخاذ قبر النبي أو الرجل الصالح مسجدًا، ومعلوم أنَّ قبور الأنبياء لا تُنبش؛ ولأن عامَّة مقابر المسلمين كانت جديدة، ولا يجوز أن يطلق «المقبرة»، ويريد بها مقابر المشركين العُتُق، مع أنَّ المفهوم عندهم مقابرهم. ولا يجوز أن يريد بها ما يتجدَّد من القبور العُتُق، دون المقابر الموجودة في زمانه وبلده، فإنَّ ما يعرفه المتكلِّم من أفراد العامِّ هو أولى بالدخول في كلامه.
ثم إنه لو أراد القبور المنبوشة وحدها لوجب أن يقرُن بذلك قرينةً تدلُّ عليه، وإلَّا فلا دليل يدلُّ على أنَّ المراد هو هذا. ومن المحال أن يُحمَل الكلامُ على خلاف الظاهر المفهوم منه من غير أن يُنصَب دليلٌ على ذلك.
(١) في الأصل: «قدارا»، وفي المطبوع: «دارًا»، ولعل الصواب ما أثبت.