للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: أمَّا الأحاديث فضربان: ما صُرِّح فيه بذكر الجهر، فليس فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء صحيح يقوم (١) به الحجة, ولذلك لم يخرج عن أصحاب السنن منها شيء (٢). وقال الدارقطني, وقد سئل عن أحاديث الجهر: ليس فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء صحيح. وأما [عن] الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف (٣). ومن تتبَّع أسانيدها علِم الضعيف فيها. ويؤكِّد ذلك أن أكثرها من رواية الصحابة الذين قد صحَّ عنهم عدمُ الجهر, مثل علي وعمار وأنس؛ فكيف وما لم يصرَّح فيه بالجهر، وإنما فيه بسم الله الرحمن الرحيم. فهذا يدل على استنان قراءتها, والردِّ على من رغب عنه.

قال أبو عبيد: الأحاديث التي ذكرناها في ترك قراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» فليس هو على الجهر بها, وإنما غلَّطوا تركَ قراءتها في الصلاة أو غير الصلاة؛ إلا أنه يُسِرُّها في الصلاة.

ومن نُقل عنه من أصحابه الجهر, مثل ابن عباس وابن الزبير وابن عمر, فقد نُقِل عنهم الإسرار بها. وهذا يدل على أن من جهَر بها من الصحابة كان مقصوده تعليم الناس أن قراءتها سنَّة, كما جهر عمر بالاستفتاح, وكما جهر أبو هريرة بالاستعاذة (٤) , وكما جهر ابن عباس بقراءة أم الكتاب على الجنازة (٥).


(١) في الأصل والمطبوع: «يخرج»، ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) كذا في الأصل والمطبوع، والمعنى ظاهر.
(٣) في الأصل: «فمنهم صحيح ومنهم ضعيف». والتصحيح والتكملة من «مجموع الفتاوى» (٢٢/ ٢٧٦، ٤١٦) و «شرح الزركشي» (١/ ٥٥٠).
(٤) تقدم تخريج أثر عمر وأبي هريرة.
(٥) أخرجه البخاري (١٣٣٥).