للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الترمذي: هو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم.

فإن قيل: ففي حديث جبريل أنه صلَّى الظهر حين كان الفيء مثل الشِّراك، وكان عمر يؤخِّرها حتى يصير الفيء ذراعًا، وكتب إلى عمَّاله بذلك (١).

قلنا: أما حديث جبريل، ففي رواية جابر أنه صلَّى حين زالت الشمس. فعُلِمَ أنَّ ذلك الفيء هو فيء الزوال، لا سيما والفرض يتبيَّن أول الوقت. وأما حديث عمر، فلعلَّه أمر بذلك في شدَّة الحرِّ ليقصد الإبراد بها، أو في أوقات وأمكنة يكون الفيء فيها قدرَ ذراع حين الزوال.

ولا يقال: الفيء هو الظل بعد الزوال، وما قبل ذلك إنما يسمَّى ظلًّا، لا فيئًا؛ لأنَّ الشمس إذا زالت فلا بدَّ أن يفيء الظلُّ أدنى الفيء، فيسمَّى الظلُّ كلُّه حينئذ فيئًا، ولا يصح أن يراد الفيء الزائد على فيء الزوال، لأن ذلك لا يتميَّز؛ وليس في الحديث ما يدلُّ عليه. ثم إنَّ ذلك إنما يصير قريبًا من انتصاف الوقت، ومثل ذلك لا يكون هو الأفضل في غير الحرِّ بلا تردُّد.

فصل

فأمَّا في شدة الحرِّ، فإنَّ الأفضل الإبراد بها، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا بالصلاة، فإنَّ شدّة الحرِّ من فَيح


(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٦).