للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجب حملُ الحديثين (١) عليه (٢) لوجوه:

أحدها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بلبس الخفاف والسراويلات، وموجب هذا الكلام هو لبس الخفّ المعروف، ولا يجوز أن يكون ترك ذكر القطع لأنه قد تقدَّم منه أولًا بالمدينة؛ لأن الذين سمعوا ذلك منه بالمدينة كانوا بعض الذين اجتمعوا بعرفات، وأكثر أولئك الذين جاءوا بعرفات من النواحي ليسوا من فقهاء الصحابة، بل قوم حديثو عهدٍ بالإسلام، وكثير منهم لم ير النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قبل تلك الأيام، وفيهم الأعراب ونحوهم، وقد قال لهم في الموسم: «لتأخذوا عني مناسككم» (٣). فكيف يجوز أن يأمرهم بلُبس الخفافِ والسراويلات، ومراده الخفُّ المقطوع والسراويلات المفتوقة، من غير أن يكون هناك قرينة مقالية ولا حالية تدل على ذلك؟ بل [ق ٢٣٤] القرائن تقضي بخلاف ذلك بناءً على أنه أمر بالقطع لناسٍ غيرهم. هذا لا يجوز أن يحمل عليه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن ذلك تلبيس وتأخير للبيان عن وقت الحاجة، وذلك لا يجوز عليه.

وما هذا إلا بمثابة أن يقول رجل لخيّاط: خِطْ لي قميصًا أو خفًّا، فيخيط له صحيحًا، فيقول: إنما أردتُ قميصًا بَقِيرًا (٤) أو خفًّا مقطوعًا، لأني (٥) قد أمرتُ بذلك للخياط الآخر، فيقول: وإذا أمرتَ ذاك ولم تأمرني أفأعلم الغيب؟ بل


(١) ق: «الحديث».
(٢) «عليه» ليست في المطبوع.
(٣) أخرجه مسلم (١٢٩٧) من جابر.
(٤) في النسختين: «نفيرًا». والصواب ما أثبته، والمعنى: ما بُقِرتْ (أي شُقَّت) أكمامُه، كما سيأتي في الوجه الخامس.
(٥) س: «لأن».