للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شطر الإيمان»، فإذا بطل الإيمان بالكلية، فشطره أولى (١). ولأنَّ ما منَع ابتداءَ الوضوء منَع استدامتَه، كانقضاء المدة وظهور القدم في حق الماسح، ورؤية الماء في حق المتيمِّم. ولأنّ ما منَع الكفرُ ابتداءَه منعَ دوامَه، كالنكاح، وأولى لأن النكاح ليس بعبادة. وعكسُه مِلْكُ المال، فإن الردَّة لما لم تمنع ابتداءَه لم تمنع دوامَه على المشهور.

وهذا لأن الكفر إنما منع نكاحَ (٢) المسلمة، لأن الكافر ليس أهلًا لمِلكِ أبضاع المسلمات، وهذا يستوي (٣) فيه الابتداء والدوام. وكذلك الطهارة مُنع منها الكافر لأنه ليس من أهل الطهارة والقُرَب والعبادات، وهذا يستوي فيه الابتداء والدوام، بل الدوام أولى، لأنه هو المقصود من أفعال الوضوء.

ويقوِّي الشَّبهَ أنّ كلًّا من الوضوء والنكاح يستويان في مفارقة الابتداء والدوام، بدليل ما لو حلَف: لا يتطهَّر، وهو متطهر؛ أو لا يتزوَّج [١٠٥/أ] وهو متزوِّج= لم يحنث. وقد أبطل الكفرُ النكاحَ، فكذلك يُبطل الوضوء.

فأما الكلام المحرَّم كالقذف والكذب والاغتياب فيستحَبُّ منه الوضوء ولا يجب، لما روى الإمام أحمد بإسناده (٤) عن ابن عباس - رضي الله عنه - (٥) قال: لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحبُّ إليَّ من أن أتوضَّأ من الطعام الطيِّب (٦).


(١) انظر: «الفروع» (١/ ٤٠٥).
(٢) في الأصل: «بنكاح».
(٣) في الأصل والمطبوع: «لا يستوي» والظاهر أن «لا» مقحمة.
(٤) في الأصل: «بإسناد».
(٥) كذا في الأصل.
(٦) لم أقف عليه.
وأخرجه من حديث عبد الله بن مسعود: عبد الرزاق (٤٦٩)، وابن أبي شيبة (١٤٣٥)، والطحاوي في «شرح المعاني» (١/ ٦٨)، والطبراني في «الكبير» (٩/ ٢٤٨).
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١/ ٥٧٥): «رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله موثقون».