للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن لم يلتزم هذا التحريم لم يكن مأذونًا له في ذلك المباح من جهة الشارع. فكذلك الدخول إلى المسجد يجوز أن يكون مشروطًا برعاية حرمته، والكفِّ عن منع عباد الله من بيته. وذلك أنَّ المسجد إنما أبيح له أن يدخله بوصف الاشتراك، فأمَّا دخولُه بوصف الانفراد فليس بجائز، كمن منع غيره من أخذ المباحات ليأخذها هو، مثل أن يمنعه عن الاحتشاش والاحتطاب والاصطياد، ثم يأخذ ما منعه منه، فإنَّ هذا حرام، وإن كان مباحًا لو لم يمنع غيره. وكذلك لو منع الناس أن يبيعوا أموالهم ليبيع هو ماله كان بيعه حرامًا، لأنه إنما باعه على الوجه المحرَّم، وهو بمنزلة المكره على الشِّرى (١) منه.

وأيضًا فمن صور هذه المسألة: إذا احتجر موضعًا من المسجد، ومنَع الناس من الصلاة فيه مثل المقصورة. وقد كان السلف يكرهون الصلاة في المقصورة، ويرون الصفَّ الأول الذي يلي المقصورة (٢). ولولا أنهم اعتقدوا أنَّ دخولها مع الاحتجار منهيٌّ عنه لم ينهوا عن الصلاة في مقدَّم المسجد، بل لمَّا كُرِهت الصلاة فيها صارت كأنها ليست من المسجد. فكيف يصح مع هذا أن يكون دخولُه ولُبثه غير محرَّم إذا دخل على [ص ٨٣] هذا الوجه.

وأما قول ابن عقيل: إنَّ المسجد لو تلِف في مدة منعه لم يلزمه ضمانه، فليس الأمر كذلك، بل المسجد عقار من العقار يُضمَن بالإتلاف إجماعًا، ويُضمَن بالغصب عند من يقول: إن العقار يُضمَن بالغصب. وهو المشهور


(١) في المطبوع: «الشراء»، والمثبت من الأصل، وكلاهما صحيح.
(٢) انظر: «مسائل الكوسج» (٢/ ٦١٧)، و «الأوسط» (٤/ ١١٨)، و «المغني» (٣/ ٢٣٥).