للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن قوله: «لا صيام لمَنْ لم يبيِّت الصيامَ من الليل» حديث متأخر عن صوم عاشوراء، فيكون ناسخًا له لو اجتمعا في صوم واحد، فكيف إذا كان ذلك في الصوم المنسوخ؟! لأن راويه حفصة وإنما تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -[سنة ثلاثٍ من الهجرة] (١) وحديث عاشوراء كان في أول السنة الثانية من الهجرة.

فأما الصوم التطوع فيجزئ بنية من النهار، نصَّ عليه في غير موضع؛ لما رُوي عن عائشة قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: «هل عندكم من شيء؟» فقلنا: لا. قال: «فإني إذًا صائم». ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: «أدنيه، فلقد أصبحتُ صائمًا» رواه الجماعة إلا البخاري (٢)، وفي بعض الروايات (٣): فقال: «فإني صائم» ولم يقل: «إذًا».

وهذا يدلّ على أنه أنشأ الصومَ من النهار؛ لأنه قال: «فإني صائم» وهذه الفاء تفيد السبب والعلة، فيصير المعنى: إني صائم لأنه لا شيء عندكم.

ومعلوم أنه لو كان قد أجْمَعَ الصومَ من الليل لم يكن صومه لهذه العلة.

وأيضًا فقوله: «فإني إذًا صائم» و «إذًا» أصْرَح في التعليل من الفاء.

وأيضًا: فإن الظاهر من حال من أجْمَعَ الصيامَ من الليل أن لا يجيء سائلًا عن الغداء، وإنما يسأل عن الغداء المُفْطِر أو المتلوِّم.


(١) انقطع الكلام في النسختين، والإكمال مقترح.
(٢) أخرجه أحمد (٢٤٢٢٠، ٢٥٧٣١)، ومسلم (١١٥٤)، وأبو داود (٢٤٥٥)، والترمذي (٧٣٣، ٧٣٤)، والنسائي (٢٣٢٦)، و ابن ماجه (١٧٠١)، وينظر «تحفة الأشراف»: (١٢/ ٤٠١ - ٤٠٢).
(٣) وهي رواية مسلم.