للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أجمع أهلُ التفسير على أنها نزلت عام الحديبية (١)، لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أحرم هو وأصحابه بالعمرة، [ق ٩٧] وساقوا الهَدْيَ، فصَدَّه المشركون، فأنزل الله تعالى هذه الآية يأمر فيها بإتمام الحجِّ والعمرة، ويذكر شأن الإحصار.

وهذا أمرٌ بالإتمام لمن دخل متطوِّعًا؛ لأن الحجَّ لم يكن قد فُرِض بعدُ، فإن الآية نزلت سنة ستٍّ، والحجّ إنما فُرِض بعد فتح مكة.

ثم إن الله تعالى أمر بالإتمام مطلقًا، فدخل فيه كلُّ منشئ للحج والعمرة، بخلاف الآية التي فيها إتمام الصيام، فإنها تفارق هذه من وجهين:

أحدهما: أنه قال في أولها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ... }، واللام هنا لتعريف الصيام المعهود الذي تقدَّم ذكرُه، وهو صيام رمضان، ثم قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، فعاد الكلام إلى الصيام المتقدِّم الذي كان الأكل والنكاح في ليلته محظورًا بعد النوم، ثم أبيح، وهذا صفة الصيام الواجب.

نعم، سائر الصيام لا يتمُّ إلا بذلك على سبيل التَّبَع والإلحاق.

الثاني: أن قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}: أمرٌ بأن يكون إتمام الصيام إلى الليل، وبيانٌ لكون الصوم لا يتمُّ إلا بالإمساك إلى الليل، فتفيد الآيةُ أن مَن أفطر قبل الليل لم يُتمّ الصيامَ، وهذا حكمُه شاملٌ لجميع (٢) أنواع


(١) ينظر «تفسير ابن جرير»: (٣/ ٣٤١)، و «أسباب النزول» (ص ١٦٨ - ١٧٣) للواحدي.
(٢) ق: «حكم شامل يجمع».