للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مواضعَ النجاسات. فما خبُث من الجمادات والأجساد مقرونٌ أبدًا بما خبُث من الحيوانات والأرواح، وليس اعتبارُ طهارة البقعة من الأجسام الخبيثة بدون اعتبار طهارتها من الأرواح الخبيثة، بل العنايةُ بتطهيرها من هؤلاء الخبيثين والخبيثات من الأماكن أولى. ولمَّا كان هذا مُغَيَّبًا عن عيون الناس عَلَّق الشارعُ الحكمَ بمظنَّة ذلك وعلامته (١)، وهو مكان النجاسات.

وأما قارعة الطريق، فقد صرَّح - صلى الله عليه وسلم - بأنها مأوى الحيَّات والسِّباع (٢). وهذا ــ والله أعلم ــ ينزع إلى ذلك؛ لأنَّ الحيَّات والسِّباع من أخبث شياطين الدوابِّ، ومأواها أسوأ حالًا من مأوى الإبل.

وقد أشار أبو بكر الأثرم (٣) إلى نحو من هذه الطريقة، فقال لما ذكر حديث زيد بن جَبيرة، واعتمَده، وبيَّن الجمعَ بينه وبين الأحاديث المطلقة، فقال: «قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «جُعلت لي الأرضُ طهورًا ومسجدًا» (٤) إنما أراد به الخلافَ على أهل الكتاب، لأنهم لا يصلُّون إلا في كنائسهم وبِيَعهم، فقال: فُضِّلتُ على الناس بذلك وبغيره. ثم استثنى بعد الخلاف عليهم مواضعَ لمعانٍ غير معاني أهل الكتاب». قال: «[فأمّا] (٥) الحمام والمقبرة، فإنَّ الحمام ليس من بيوت الطهارة، لأنه بمنزلة المراحيض التي (٦) يغتسل فيها (٧) من الجنابة والحيض.


(١) في المطبوع: «علاقته».
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) في كتابه «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص ١١٦ - ١١٧).
(٤) سبق تخريجه.
(٥) زيادة من كتاب الأثرم.
(٦) في المطبوع: «الذي»، والمثبت من الأصل ومصدر النقل.
(٧) في الأصل والمطبوع: «فيه».