للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطريقة الثالثة: أنه نسكٌ مؤكَّد، وتاركه مسيء بغير تردُّد؛ لكن هل هو واجب بحيث إذا فات بفساد العبادة يجب عليه دم أو يعاقب على تركه؟ على روايتين. وإذا قلنا: هو واجب فهل يتحلَّل بدونه؟ على روايتين.

وهذه الطريقة أجود الطرق، وهي مقتضى ما سلكه المتقدمون من أصحابنا، ولا يختلف أصحابنا في اختيار كونه نُسكًا، وذلك لأن الله سبحانه قال: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: ٢٩]، وهذه اللام لام الأمر على قراءة ... (١).

وأيضًا فإنه سبحانه قال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧]، فجعل الحلق والتقصير شعار النسك وعلامته، وعبَّر عن النسك بالحلق والتقصير، وذلك يقتضي كونه جزءا منه وبعضًا له لوجوه:

أحدها: أن العبادة إذا سُمِّيت بما يُفعل فيها دلَّ على أنه واجب فيها، كقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: ٧٨]، وقوله: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: ٢]، و {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: ٢٠]، {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣]، {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: ٩٨]، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [طه: ١٣٠]. ويقال: صليتُ ركعتين وسجدتين. وكذلك في الأعيان يعبَّر عن الشيء ببعض أجزائه، كما قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢]، ويقال: عنده عشرة رؤوس وعشرُ رقابٍ.


(١) بياض في النسختين. وتسكين اللام قراءة عاصم وحمزة والكسائي، وكسر اللام قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر. انظر «النشر» (٢/ ٣٢٦).