للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسنةُ رفعُ الصوت بالتكبير، نصَّ عليه (١)؛ لأن جابرًا سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولولا جَهْرُه به لم يسمعوه. ولأنه شَرَفٌ (٢) من الأشراف، والسنةُ الجهرُ بالتكبير على الأشراف (٣).

وأما الدعاء فلا يرفع به صوته؛ لأن سنة الدعاء السِّر، كما قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥]، وكما قال تعالى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: ٣]، ولذلك لم يذكر جابر ولا غيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظَ دعائه، حيث لم يسمعوه.

وأما جهره بذلك حيث يسمع القريب منه فجائز، كما فعل ابن عمر، فإن كان فيه مقصودٌ صالح وإلا إسراره أفضل.

وأما التلبية على الصفا والمروة في أثناء الذكر والدعاء، فقد استحبَّها القاضي وأبو الخطاب (٤) وغيرهما (٥)؛ لأن وقت التلبية باقٍ، وهو موطن ذكرٍ، فاستحبّ فيه التلبية، كما لو علا على شَرَفٍ غيرِ الصفا والمروة وأولى، لامتياز هذين الشَّرَفين بتوكيد الذكر.

ولم يذكر أحمد وأكثر أصحابه مثل الأثرم هنا استحبابَ تلبية. وهذا


(١) سبق ذكره.
(٢) أي الموضع العالي الذي يُشرِف على ما حوله.
(٣) كما في حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري (٢٩٩٥) ومسلم (١٣٤٤)، وفيه: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما أوفى على ثنية أو فدفدٍ كبَّر ثلاثًا.
(٤) في «الهداية» (ص ١٩٠).
(٥) انظر «المستوعب» (١/ ٥٠٣) و «الإنصاف» (٩/ ١٢٧، ١٢٨).