للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما حديث عمر فإن توقيت ذات عرق كان متأخرًا في حجة الوداع كما ذكره الحارث بن عمرو، وقد كان قبل هذا سبق توقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لغيرها، فخفي هذا على عمر - رضي الله عنه - كما خفي عليه كثير من السنن (١)، وإن كان عِلْمها عند عمّاله وسُعاته ومن هو أصغر منه، مثل دية الأصابع (٢)، وتوريث المرأة من دية زوجها (٣). فاجتهد، وكان محدَّثًا موفَّقًا للصواب، فوافق رأيه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وليس ذلك ببدْعٍ منه - رضي الله عنه -، فقد وافق ربَّه تعالى في مواضع معروفة، مثل المقام، والحجاب، والأسرى، وأدب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - (٤).

فعلى هذا لا يُستحب الإحرام قبلها، كما لا يستحب قبل غيرها من المواقيت المنصوصة. قال عبد الله (٥): سمعت أبي يقول: أرى أن يُحرِم من ذات عرق.


(١) انظر أمثلة من ذلك في «رفع الملام» ضمن «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٢٣٤ - ٢٣٧) و «الصواعق المرسلة» (٢/ ٥٤٤ - ٥٤٩).
(٢) روى سعيد بن المسيب أن عمر جعل في الإبهام خمس عشرة، وفي السبابة والوسطى عشرًا عشرًا، وفي البنصر تسعًا وفي الخنصر ستًّا، حتى وجد كتابًا عند آل حزم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن الأصابع كلها سواء» فأخذ به. أخرجه عبد الرزاق (١٧٦٩٨)، وابن أبي شيبة (٢٧٥٥٢)، والبخاري في «التاريخ الأوسط» (١/ ٤٨٧).
(٣) عن سعيد بن المسيب أيضًا أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا، حتى قال له الضحاك بن سفيان: كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أن أورِّث امرأةَ أشيم الضبابي من دية زوجها» فرجع عمر. أخرجه أبو داود (٢٩٢٧) والترمذي (١٤١٥، ٢١١٠) وقال: «حديث حسن صحيح».
(٤) انظر «صحيح البخاري» (٤٠٢) و «صحيح مسلم» (٢٣٩٩). ولعمر - رضي الله عنه - موافقات أُخر نظمها السيوطي في «قطف الثمر في موافقات عمر» ضمن «الحاوي للفتاوي» (١/ ٣٧٧ - ٣٧٨).
(٥) في «مسائله» (ص ١٩٨).