للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو كما قال، فإنَّا وإن جوَّزنا له البناء على يقين الطهارة، فإنَّ الأفضل له أن يتطهَّر لمّا تردَّد، لأن في ذلك خروجًا من اختلاف العلماء، فإن منهم من لا [١١٦/أ] يجوِّز له الدخول في الصلاة بطهارة مشكوكة. ولأن التجديد مع اليقين مستحبٌّ، فمع الشكِّ أولى. ولأن عدم الطهارة فيها ريب وشبهة، وليس في الاحتياط فيها مشقَّة، ولا فتحٌ لباب الوسوسة، فكان الاحتياط لها أفضل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك» (١) وقوله: «فمَن ترك الشبهاتِ فقد استبرأ لعرضه ودينه» (٢). بخلاف الشكِّ العارض في الصلاة، فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن الخروج من أجله، ولأن فيه إبطالًا للصلاة بالريب والشبهة ومطاوعة الشيطان في ذلك، فلذلك نُهي عنه.

وقياس المذهب أنَّ قطعَ الصلاة المفروضة لذلك محرَّم، لأجل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن إبطال الفرض بعد الشروع فيه غير جائز.

فصل

فإن تيقَّن الطهارة والحدث، وشكَّ في السابق منهما، فهو على قسمين:

أحدهما: إن تيقّن أنه كان متطهِّرًا أو أنه كان محدثًا، فيبني على خلاف حاله قبلهما: إن كان متطهِّرًا فهو محدِث، وإن كان محدِثًا فهو متطهِّر. لأن الحال قبلهما إن كان طهارةً مثلًا، فقد تيقَّن أنه وجد بعدها حدثٌ وطهارةٌ، فزالت تلك الطهارة بيقين. والطهارة الثانية يجوز أن تكون هي الأولى دامت واستمرَّتْ، ويجوز أن تكون حدثت بعد الحدث، والحدثُ متيقِّن، فلا يزول بالشك.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -.