للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون (١)، فإنهم أعلم بتأويلها وناسخها. وإذا زال الوجوب بقي الاستحباب، لا سيَّما وقد ذهب خلقٌ من الصحابة والتابعين إلى وجوب الوضوء منها، وقال رجال من التابعين: الوضوء منها هو الناسخ، ففي الوضوء احتياط وخروج من الخلاف.

والوجه الثاني: لا يستحبُّ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يداوم على تركه أخيرًا وهو لا يداوم على ترك الأفضل. وأيضًا فإن الوضوء منه قديمًا لم يكن واجبًا، لأن أبا هريرة سمع الأمر به، وإنما صحبه بعد فتح خيبر؛ وحديثُ سويد بن النعمان [١١٣/ب] في تركه كان في مخرجه إلى خيبر، فعُلِمَ أنه كان يأمر به استحبابًا ويفعله ويتركه أحيانًا، ثم ترَكه (٢) بالكلية بدليل عمل الخلفاء الراشدين.

فصل

كلام الشيخ - رضي الله عنه - يقتضي أن لا وضوء من غسل الميت، وهو قوله وقول أبي الحسن التميمي (٣) وغيرهما، لما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس عليكم في ميِّتكم غسلٌ إذا غسلتموه، فإنَّ ميِّتكم ليس بنجس، فحسبُكم أن تغسلوا أيديكم» رواه الدارقطني وإسناده جيِّد (٤)،


(١) في الأصل: «الراشدين»، من زيغ البصر.
(٢) في الأصل: «يتركه»، وفي المطبوع: «يترك».
(٣) تقدمت ترجمته.
(٤) الدارقطني (٢/ ٧٦)، وأخرجه ابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (٢٧٢)، من طرق عن أبي شيبة إبراهيم بن عبد الله، عن خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
وصححه الحاكم (١/ ٣٨٦)، وجود إسناده ابن تيمية، وابن الملقن في «البدر المنير» (٤/ ٦٥٧)، وأعل بعلتين:
إحداهما: الكلام في عمرو بن أبي عمرو، وهو صدوق من رجال البخاري، فلا وجه لإعلاله به.

والأخرى: إعلاله بالموقوف، كما صنع البيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٣٠٦)، ورأى الحمل فيه على أبي شيبة، وهو صدوق قد وثق، قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (١/ ٧٣) معلقًا على البيهقي: «وكأنه ظنه جده إبراهيم بن عثمان، فهو المعروف بأبي شيبة أكثر مما يعرف به هذا، وهو المضعف»، ووافقه الذهبي في «تنقيح التحقيق» (١/ ٧٣)، غير أنه رأى الحمل فيه على خالد، فهو وإن كان من رجال الشيخين غير أنه قد تكلم فيه غير واحد، وقال فيه ابن سعد وأحمد: له مناكير، وعد الذهبي هذا الحديث من مناكيره في «الميزان» (١/ ٦٤١).
انظر: «بيان الوهم» (٣/ ٢١١ - ٢١٢)، «البدر المنير» (٤/ ٦٥٧ - ٦٦٠).