للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرضِ الحج يُفيض من حيث أفاض الناس، ويكون الكلام في بيان المحظورات والمفروضات.

فإن قيل: لم ذُكِر لفظُ الإفاضة دون الوقوف؟

قيل: لأنه لو قال: ثم قِفُوا حيث وقف الناس لظنّ ظانٌّ (١) أن الوقوف بعرفة يُجزئ في كل وقتٍ بحيث يجوز تقديمه، وأما الإفاضة فإنها الدفع بعد تمام الوقوف، [ق ٣٦٠] وقد علموا أن وقت الدفع هو آخر يوم عرفة، فإذا أُمِروا بالإفاضة منها عُلِم أنه يجب أن يقفوا بها إلى وقت الإفاضة، وأنها غاية السير الذي ينتهي إليه الحاج، فلا يُتجاوز ولا يُقصَّر عنها؛ لأن المقصِّر والمتجاوز (٢) لا يُفيضانِ منها.

وأما السنة فما روى سفيان وشعبة عن بُكَير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يَعْمَر الدِّيلي: أن ناسًا من أهل نجد أَتَوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بعرفة، فسألوه، فأمر مناديًا فنادى: «الحج عرفة، من جاء ليلةَ جَمْعٍ قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، أيامُ منًى ثلاثة، فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخَّر فلا إثم عليه»، وأردف رجلًا خلفه يُنادي بهن. رواه الخمسة (٣). قال ابن عيينة: هذا أجود حديث رواه الثوري (٤).


(١) «ظان» ساقطة من المطبوع.
(٢) في المطبوع: «والمجاوز» خلاف النسختين.
(٣) رواه أحمد (١٨٧٧٣، ١٨٧٧٤) وأبو داود (١٩٤٩) والترمذي (٨٨٩، ٨٩٠) ــ واللفظ أشبه بلفظه ــ والنسائي (٣٠٤٤) وابن ماجه (٣٠١٥). وصححه ابن خزيمة (٢٨٢٢) وابن حبان (٣٨٩٢) والحاكم (٢/ ٢٧٨).
(٤) أسنده الترمذي عن ابن عيينة عقب الحديث (٨٩٠)، وأسند عن وكيع أنه قال: «هذا الحديث أم المناسك». وذكر ابن ماجه عن شيخه محمد بن يحيى الذهلي أنه قال: «ما أرى للثوري حديثًا أشرفَ منه».