للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا كان الأمر هكذا، وجب أن تُحمَل آثار الصوم على حال الغمام والضباب، وآثار الفطر على حال الصحو والانقشاع لوجوه:

أحدها: أنه إن لم يفعل ذلك لزم تهاتُرُ (١) الآثار وتعارُضُها، وأن يكون الصحابة - رضي الله عنهم - رووا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا وعملوا بخلافه في مثل هذه القضية التي لا تُنسى ولا تخفى، حتى يقول أبو هريرة وابن عمر: «أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بذلك منَّا» في قضية رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافَها نصًّا، وأن يخالفوا إلى ما نُهوا عنه، ومثل هذا لا يجوز أن يُظنَّ بهم ويُعتقَد فيهم.

الثاني: أن الآثار في الشكّ مجملة، ليس فيها نصّ بيوم الغيم، والآثار في الصوم كثير منها مفسّرة مبيّنة بصوم يوم الغيم، وفيها ما فُرِّق فيه بين الغيم والصحو، وهو حديث ابن عمر، مع أنه قد صرَّح عن (٢) نفسه بأنه يفطر اليوم الذي يُشَكّ فيه، فعُلِم أن مقصودَه بيوم الشكِّ: الشكُّ في حال الصحو، وإذا عُلم أن مقصود بعض الصحابة بيوم الشكّ هذا، جاز أن يكون مقصود الباقي ذلك.

ويوضّح ذلك: أن الشكّ في زمن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنما كان ــ والله أعلم ــ في حال الصحو؛ لأنه صام تسع رمضانات وكانت في الصيف.

يُبيِّنُ ذلك: أنه خرج في غزوة الفتح في سنة ثمان في رمضان في حَرٍّ شديد، وخرج إلى غزوة (٣) بدر في رمضان من السنة الثانية، وهو أول رمضان فُرِض، وكانت في الربيع الذي تسميه العامةُ الخريفَ، وذلك لأنهم


(١) التهاتُر: هو أن يكذّب بعضها بعضًا فتتاسقط. ينظر «أساس البلاغة»: (٢/ ٣٩٢)، «طلبة الطلبة» (ص ٢٧٦).
(٢) ق: «على» وكتب فوقها «عن».
(٣) سقطت من المطبوع.