للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسرُّ المسألة أنَّ المصلِّي إلى أيِّ الجهات توجَّه فثمَّ وجهُ الله وقبلته، لكنه سبحانه عيَّن أشرف الجهات عند العلم والقدرة، فإذا تعذَّر ذلك استوت الجهات كلُّها. والله سبحانه أعلم.

هذا فيمن كان بدار الاسلام. فأما من كان بدار الحرب، ولا طريق له إلى العلم بالقبلة، فقال أبو بكر: لا إعادة عليه هنا قولًا واحدًا، بخلاف من هو في دار الاسلام، لأنَّ العذر يكثر ويطول في أسارى المسلمين المحبوسين في مطامير (١) الكفار. وقصةُ النجاشي (٢) تؤيد هذا.

فصل

فإن ترك الاجتهادَ مع قدرته عليه، أو التقليدَ مع قدرته عليه، أو صلَّى إلى غير الجهة التي أمر من قلَّده بها، فإنه يعيد بكلِّ حال، أصاب أو أخطأ، في ظاهر المذهب؛ لأنه فعل ما لم يؤمر به، فلم تنفعه الإصابة اتفاقًا، كمن أفتى بغير علم، أو قضى للناس على جهل، أو قال في القرآن برأيه، أو شهد بما لا يعلم؛ فإنَّ هؤلاء لا ينفعهم الإصابة في نفس الأمر، لأنهم لم يعلموا أنهم مصيبون.

وعكس هؤلاء من اجتهد، فأخطأ في قضاه أو فتياه، أو حلف على شيء يظنُّه كما حلف عليه، أو اجتهد، أو قلَّد في القبلة فأخطأ؛ فإنَّ الخطأ عن هؤلاء محطوط، لأنهم فعلوا ما يقدرون عليه.

فصل

وأما الأعمى والجاهل بأدلَّة القبلة الذي لا يمكنه التعلُّم، أو الذي يضيق


(١) جمع مطمورة، وهي السجن، وقد تقدَّمت.
(٢) تقدمت قريبًا.