للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصل. وإنما يعيد إذا قدَر على التحرِّي، وصلَّى بغير تحرٍّ، وإن أصاب؛ لأنه ترك المفروضَ عليه. وهذا فعَلَ ما أُمِر به.

وإن قلنا: لا يعيد مطلقًا، وهو الصحيح، وهو الذي يدلُّ عليه كلام أحمد واستدلاله. قال في رواية محمد (١) في الرجل يصلِّي لغير القبلة: لا يعيد {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وهو الذي تقتضيه أصوله خصوصًا في مسائل القبلة.

والقولان الآخران بعيدان على المذهب، فإنَّ القبلة إذا لم يمكن العلم بها صارت جميع الجهات له قبلة، كما نصَّ عليه أحمد. ولهذا لم يختلف قوله: إنه لا إعادة على المخطئ. وذلك لأن الله سبحانه قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، وقد تقدَّم أنها نزلت في الجاهل بالقبلة والعاجز عنها. وكذلك الحديث المذكور ظاهره أنَّ القوم لم (٢) يترجَّح عندهم جهة القبلة، فصلَّى كلُّ رجل على حسب حاله.

وجميع الأدلَّة المذكورة في مسألة «من اجتهد فأخطأ» يعمُّ هذا الموضع، لأن سقوط الإصابة عن المجتهد والمقلِّد لكونه غير قادر عليها كسقوط الاجتهاد والتقليد عن العاجز عنهما. ولأنَّ القبلة شرط من الشروط، فسقط بالجهل به على وجه يُعذَر به كسائر الشروط. [ص ٢١٧] والتعليلُ بالندرة ضعيف كما تقدَّم. وبتقدير صحته، فالقبلة أخفُّ من غيرها كما تقدَّم.


(١) لا أدري أيَّ المحمدِّين من أصحاب أحمد قصَد؟ وانظر: «مسائل عبد الله» (١/ ٦٨) و «الكوسج» (٢/ ٦٤٠).
(٢) في الأصل والمطبوع: «لا».