للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما روى أيوب: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل البصرة: بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، زاد: وإنَّ أحسنَ ما يُقدَر له: [أنَّا] إذا رأينا هلالَ شعبان لكذا وكذا، فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا، إلا أن تروا الهلالَ قبل ذلك. رواه أبو داود في «سننه» (١).

فقوله: «إلا أن تروا الهلالَ قبل ذلك» دليلٌ على أنهم فهموا من قوله: «فاقدروا له» كمال العدة؛ لأن الهلال لا يُرى قبل ليلة الثلاثين، وإنما يُرى قبل الحادية والثلاثين.

وقد زعم بعضهم أن حديثَ ابنِ عمر منسوخ؛ لأن التقدير هو حساب الوقت الذي يطلع فيه، وهذا إنما يعلمه أهلُ الحساب، ونحن أمة أميَّة لا نكتب ولا نحسب. وقد يكون القَدْر بأن يُنظر إلى طلوعه صبيحة ثمانٍ وعشرين، فإن رُئي تلك الغداة عُلِم أن الشهر تام وأنه لا يطلع ليلة الثلاثين، وإن لم يُرَ فيها عُلم أن الشهر ناقص وأنه يطلع ليلة الثلاثين، لكن يضيق اعتبار هذا على الناس وقد لا ينضبط، فنُسِخ بإكمال العدة.

وأيضًا: فإنها عبادة لم نتيقّن دخولَ وقتها، فلم تُفْعَل في وقت الشكّ، كالصلاة والحجِّ، ولأنه (٢) شكّ في طلوع الهلال فلا يُشرع معه الصوم، كالشكّ في الصّحْو.

وأما مَن جعل الناسَ تَبَعًا للسلطان فلقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا


(١) (٢٣٢١) وما بين المعكوفين منه. ومن طريقه أخرجه البيهقي في «الكبرى»: (٤/ ٢٠٥).
(٢) في النسختين: «ولا أنه» خطأ.