للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان يوم التروية أهلَّ بالحج. هذا مذهبه.

وذلك لِما اعتمده أحمد وبنى مذهبه عليه، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أحرم هو وأصحابه من ذي الحليفة قال: «من شاء أن يُهِلَّ بحج، ومن شاء أن يُهِلَّ بعمرة، ومن شاء أن يُهِلَّ بعمرة وحج» (١)، فلما قدِموا مكة أمرهم كلهم أن يحلّوا من إحرامهم إذا طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، ويجعلوها عمرة، ويتمتعوا بالعمرة إلى الحج (٢) إلا من ساق الهدي، فإن سوق الهدي يمنعه من التحلل. وكان دخولهم مكة يوم الأحد رابعَ ذي الحجة، فلما كان يوم التروية أمرهم أن يُهِلُّوا بالحج، فحج المسلمون كلهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمره متمتعين حجة الوداع التي هي أكمل بها الدين وأتمّ بها النعمة، وقد كرهوا ذلك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم (٣) بالمتعة، ويغضب على من لم يفعلها ويقول: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سقتُ الهدي، ولولا الهدي لأحللتُ»، لعلمه بفضل الإحلال.

فثبت بذلك أن المتعة أفضل من حجة مفردة، ومن القران بين العمرة والحج، من وجوه:

أحدها: أنها آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أمرهم بها عينًا بعد أن خيَّرهم عند الميقات بينها وبين غيرها، فعُلِم أنه لم يكن يعلم أولًا فضل المتعة حتى أمره (٤) الله بها وحضَّه عليها، فأمر أصحابه بها وحضَّهم عليها،


(١) أخرجه مسلم (١٢١١/ ١١٤) بنحوه من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) «إلى الحج» ساقطة من س.
(٣) «يأمرهم» ليست في س.
(٤) ق: «أمر».