للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو كان - صلى الله عليه وسلم - يعلم أولًا مِن فضل المتعة ما علمه بعد قدومه مكة لكان قد أمرهم بالإهلال بها من الميقات، ولم يُخيِّرهم بينها وبين غيرها، ليستريح من كراهتهم لفسخ الحج ومشقته عليهم، فإنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا (١)، ولهذا قال: «[لو استقبلتُ من أمري] ما استدبرتُ لما سقتُ الهدي ولجعلتها عمرة» (٢).

الثاني: أن المسلمين حجوا معه متمتعين جميعهم إلا من ساق الهدي وكانوا قليلًا، وذلك بأمره، وأمرُه - صلى الله عليه وسلم - أبلغُ في الإيجاب والاستحباب من فعله لو (٣) كان الفعل معارضًا له، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]، ولا ينبغي لمؤمنٍ (٤) أن يختار لنفسه غير ما اختاره (٥) الله ورسوله.

الثالث: أن هذه الحجة حجة الوداع، لم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين قبلها ولا بعدها، وفيها أكمل الله الدين، وأتمَّ النعمة، وأُحْيِيتْ مشاعرُ إبراهيم عليه السلام، وأُمِيتَ أمرُ الجاهلية، فلم يكن الله تعالى ليختار (٦) لرسوله وللمؤمنين من السُّبل إلا أقومَها، ومن الأعمال إلا أفضلها، وقد اختار (٧) لهم المتعة.


(١) كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (٣٥٦٠) ومسلم (٢٣٢٧) عن عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) «ولهذا ... عمرة» ليست في ق.
(٣) ق: «ولو».
(٤) ق: «للمؤمن».
(٥) ق: «اختار».
(٦) س: «يختار».
(٧) بعدها في المطبوع زيادة لفظ الجلالة خلاف الأصل.