وذكر في موضع آخر أن لا يُحكم بدخول شهر من الشهور بمجرّد الإغمام إلا شهر رمضان، كما لا يثبت بشهادة الواحد إلا رمضان خاصة.
وأيضًا، فإن مَن حِيْلَ بينه وبين رؤية الهلال فإنه يعمل بالتحرّي والاجتهاد، أصلُه الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر فإنه يتحرّى، والتحرّي يوجب الصومَ، لأنه أحوط للشهر، ولأنه الأغلب.
وأيضًا، فإن الصوم ثابت في ذمته بيقين، ولا يتيقّن براءةَ ذمته إلا بصوم [يوم] الإغمام، فصامه (١)؛ لأن ما لا يتمّ الواجبُ إلا به فهو واجب، كما يجب عليه إمساك جزء قبل الفجر؛ لأنه لا يتمُ صوم اليوم إلا به، وكما لو كان عليه فوائت لا يعلم عددها، أو نسي صلاةً من يوم لا يعلم عينَها، أو أصاب ثوبَه نجاسةٌ جَهِل محلَّها، فإنه يلزمه فِعل ما يتيقّن به براءةَ ذمّتِه، كذلك هاهنا. ولأنه إغمام في أحد طرفي الشهر فأخذ فيه بالاحتياط كالطرف الثاني.
والذي يدلّ على الأخذ بالاحتياط في أول الشهر: قبول خبر الواحد فيه، مع أنه لا يُقبل في سائر الشهور إلا شهادةُ اثنين، فلولا رعاية الاحتياط فيه لقيس على سائر الشهور.
فإن قيل: في هذه الأصول المقيس عليها قد تَيقّن الوجوب، ولا تُتيَقّن البراءة من الواجب إلا بفعل الجميع، وهنا يُشَكّ في وجوب صوم ذلك اليوم، والأصل عدم وجوبه، والأصل بقاء شهر شعبان، فيجب العمل باستصحاب الحال، كما لو شَكّ في مقدار الزمان الذي فوّت صلاته، مثل أن
(١) كذا في النسختين. ولعله مصحف عن «فصاعدا». وما بين المعكوفين يستقيم به السياق.