للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنه هو راوي هذا الحديث (١)، ولم يبلغه النهيُ عن الصلاة فيها= عمِلَ بما بلغه، دون ما لم يبلغه.

وأمَّا الأحاديث المشهورة في جعل الأرض مسجدًا، فهي عامَّة، وهذه الأحاديث خاصَّة. وهي تفسِّر تلك الأحاديث، وتبيِّن أن هذه الأمكنة لم تُقصَد بذلك القول العامِّ. ويوضِّح ذلك أربعة أشياء:

أحدها: أنَّ الخاصَّ يقضي على العام، والمقيَّد يفسِّر المطلق، إذا كان الحكم والسبب واحدًا، والأمر هنا كذلك.

الثاني: أنَّ قوله: «جُعِلت لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا» بيانٌ لكون جنس الأرض مسجدًا له، وأنَّ السجود عليها لا يختصُّ بأن تكون على صفة مخصوصة، كما كان في شرع من قبلنا. لكنَّ ذلك لا يمنع أن تعرِضَ للأرض صفةٌ تمنع السجود عليها. فالأرضُ التي هي عطَن أو مقبرة أو حمام، هي مسجدٌ، لكنَّ اتخاذها لما [ .... ] (٢) له مانع عرض لها إخراجُها عن حكمها. ولو خرجت عن أن تكون حمّامًا أو مقبرةً لكانت على حالها. وذلك أنَّ اللفظ العامَّ لا يُقصَد به بيانُ تفاصيل الموانع، كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤]، وقد عُلِم أنَّ العقد لا بدَّ فيه من عدم الإحرام، وعدم العِدَّة، ولا بدَّ له من شروط وأركان.

الثالث: أنَّ هذا اللفظ العامَّ قد خُصَّ منه الموضعُ النجسُ اعتمادًا على


(١) يعني حديث أبي مرثد الغنوي في النهي عن الصلاة إلى القبور، وقد تقدَّم.
(٢) في الأصل بياض بقدر ثلاث كلمات، وكتب في المطبوع مكانها: «وجد»، دون إشارة إلى البياض ولا ما أثبته.