للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأن [ص ١٣٦] النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «جُعِلت لي كلُّ أرضٍ طيِّبةٍ مسجدًا وطهورًا» رواه الخطابي (١) بإسناد صحيح من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس. وقال ابن المنذر: ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٢). والطيِّبة: هي الطاهرة. فلما اختصَّ الأرضَ الطيبة بالذكر دلَّ على اختصاصها بالحكم في كونها مسجدًا طهورًا. ولأنَّ الحكم المعلَّق بوصف مناسب دليلٌ على أنَّ ذلك الوصف علَّة له. فعُلِم أن طهارتها مؤثِّرة في كونها مسجدًا وطهورًا.

ولأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يصبُّوا على بول الأعرابي ذَنوبًا من ماء، وقال: «إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا». فدلَّ على وجوب تطهير موضع الصلاة، ووجوب تنزيهه من النجاسات. ولأنه نهى عن الصلاة في الأماكن التي هي مظنة النجاسات، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فالموضع الذي قد تحقَّق وصولُ النجاسة فيه أولى أن لا تجوز فيه الصلاة. والنهي يقتضي فسادَ المنهيِّ عنه، لا سيما إذا كان من العبادات، وكان النهي لمعنًى في المنهيِّ عنه.

وقد استدلَّ كثير من المتأخرين من أصحابنا وغيرهم على وجوب تطهير الثياب بقوله سبحانه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤]، حملًا لذلك على ظاهر اللغة التي يعرفونها. فإنَّ الثياب هي الملابس، وتطهيرها بأن تُصان عن النجاسة وتُجَنَّبها بتقصيرها وتبعيدها منها، وبأن تُماطَ عنها النجاسة إذا أصابتها.


(١) في «معالم السنن» (١/ ١٤٧).
(٢) وكذا في «شرح الزركشي» (١/ ٣٥٢) و (٢/ ٣٠) ولم أجد قوله في «الأوسط».