للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد نُقل هذا عن بعض السلف، لكنَّ جماهيرَ السلف فسَّروا هذه الآية بأن المراد: زكِّ نفسَك، وأصلِحْ عملَك. قالوا: وكنى بطهارة الثياب عن طهارة صاحبها من الأرجاس والآثام (١).

وذلك أنَّ هذه الآية في أول سورة المدَّثِّر، وهي أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة اقرأ، ولعل الصلاة لم تكن فُرضت حينئذ فضلًا عن إحدى (٢) الطهارتين التي هي من توابع الصلاة. ثم هذه الطهارة من فروع الشريعة وتتمَّاتها، فلا تُفرَض إلا بعد استقرار الأصول والقواعد، كسائر فروع الشريعة، إذ ذاك (٣) لم تكن قد فرضت الأصول والقواعد. ثم إنَّ الاهتمام في أول الأمر بجُمَل الشرائع وكلِّيّاتها، دون الواحد من تفاصيلها، والجزء من جزئياتها، هو المعروف من طريقة القرآن، وهو الواجب في الحكمة.

ثم ثيابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لم تعرض لها نجاسة، إلا أن تكون في الأحيان، فتخصيصُها بالذكر دون طهارة البدن وغيره، مع قلَّة الحاجة وعدم الاختصاص بالحكم، في غاية البعد. وإذا حُملت الآية على الطهارة من الرِّجس والإثم والكذب والغدر [ص ١٣٧] والخيانة والفواحش كانت قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة. والكنايةُ بطهارة الثياب عن طهارة صاحبها من الفواحش والكذب والخيانة ونحو ذلك مشهورٌ في لسان العرب غالبٌ في عرفهم نظمًا ونثرًا، كما قال:


(١) انظر: «تفسير الطبري» (٢٣/ ٤٠٥ - ٤١٠).
(٢) في الأصل والمطبوع: «أذى»، وهو تحريف.
(٣) كذا في الأصل والمطبوع. ولعل كلمة سقطت من النص، كأن يكون: «إذ حينذاك».