للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأن قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] أمرٌ لكلِّ قائم طاهر أو غير طاهر، لكن فسَّرت السنة أن الأمر في حقِّ غير المحدِث ليس للإيجاب، فيبقى الندب.

ويستحبُّ الوضوء لمن يريد المنام، لما روى البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيتَ مضجعك فتوضَّأْ وضوءَك للصلاة، ثم اضطَجِعْ على شقِّك الأيمن» متفق عليه (١).

فإن كان جنبًا كان الاستحباب في حقِّه أوكدَ، بحيث يكره له تركُ الوضوء كراهةً شديدةً. والمشهور أنه يُسَنُّ له أن يغسل فرجه ويتوضَّأ. وفي كلامه ظاهره وجوب ذلك، لما روى ابن عمر أنَّ عمر قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم إذا توضَّأ» رواه الجماعة (٢).

وعن أبي سلمة عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنُب غسَل فرجَه وتوضَّأ وضوءَه للصلاة. رواه الجماعة إلا الترمذي (٣).

وأما [١٤٠/أ] ما رواه أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنُب، ولا يمسُّ ماءً. رواه الخمسة إلا النسائي (٤)،


(١) البخاري (٢٤٧) ومسلم (٢٧١٠).
(٢) أحمد (٤٦٦٢)، والبخاري (٢٨٧)، ومسلم (٣٠٦)، وأبو داود (٢٢١)، والترمذي (١٢٠)، والنسائي (٢٥٩)، وابن ماجه (٥٨٥).
(٣) أحمد (٢٤٨٧٢)، والبخاري (٢٨٨)، ومسلم (٣٠٥)، وأبو داود (٢٢٦)، والنسائي (٢٥٦)، وابن ماجه (٥٩٣).
(٤) أحمد (٢٤١٦١)، وأبو داود (٢٢٨)، والترمذي (١١٨)، وابن ماجه (٥٨١)، من طرق عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأسود، عن عائشة به.
هذا الحديث تفرد فيه أبو إسحاق بزيادة: «ولا يمس ماء» دون سائر أصحاب الأسود فإنهم روَوا عنه، عن عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبًا توضأ قبل أن ينام.
قال ابن رجب في «فتح الباري» (١/ ٣٦٢): «اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسلم بن حجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزاني، والترمذي، والدارقطني .. وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ: لا يحل أن يروى هذا الحديث. يعني: أنه خطأ مقطوع به، فلا تحل روايته من دون بيان علته. وأما الفقهاء المتأخرون فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله فظن صحته، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث. ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي».
انظر: «السنن الكبرى» للبيهقي (١/ ٢٠١ - ٢٠٢)، «الإعلام» (٢/ ٣٦٥ - ٣٧٢).