للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ولا يكون عادمًا حتى يطلب الماء بعد دخول الوقت في رَحْله ورُفْقته وما قرُبَ منه. وعنه: لا يجب طلبه إلا إذا غلب على ظنِّه وجودُه، أو رأى أماراتِ وجوده بأن يرى خضرةً أو حفرةً أو ركبًا أو طيرًا يتساقط على مكان؛ لأنه عادمٌ للماء، فجاز له التيمُّم، كما لو طلب. ولأنَّ الأصل عدمُ طلب الماء، ولا أمارةَ تُزيل حكمَ الأصل، فوجب العمل به، كاستصحاب الحال.

والمشهور: أنه يجب الطلب إذا رجا وجودَ الماء. فأمَّا إن (١) تيقَّن أن لا ماء، فلا يجب الطلب قولًا واحدًا؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ولا ينفي عنه الوجود إلا بعد سابقة الطلب، كما في قوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] وقوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: ٨٩].

ولأن التيمُّم بدلٌ عن غيره، مشروط بعدمه، فلم يجُز إلا بعد الطلب، كالصيام الذي هو بدلٌ عن الرقبة وعن الهدي وعن التكفير بالمال، والقياس الذي هو بدل عن النصّ، والميِّت الذي هو بدل عن المذكَّى.

ولأنَّ البدل في مثل هذا إنما أبيح للضرورة، وإنما تستيقن الضرورة بعد الطلب. وصفته أن يفتِّش على الماء في رَحْله، ويسأل رُفقته عن موارده، أو عن ماء معهم (٢) ليبيعوه أو يبذلوه. قال القاضي: سواء قالوا: لو سألتَنا أعطيناك أو منعناك. وفي إلزامه سؤالهم البذل (٣) نظر. ويسعى أمامه ووراءه،


(١) في المطبوع: «فإن»، وقد أصلحه الناسخ فوق السطر بزيادة «ما ا» قبل النون.
(٢) في المطبوع: «ما معهم»، والصواب ما أثبتنا، والناسخ لا يكتب الهمزة. وانظر: «الإنصاف» (٢/ ١٩٨).
(٣) في المطبوع: «البدل»، تصحيف.