فقوله على هذا التقدير:{فِي الْمَحِيضِ} يحتمل مكانَ الحيض، ويحتمل زمانَه وحالَه. فإن كان الأول، فمكانُ المحيض هو الفرج. وإن كان المراد: فاعتزِلوا النساء في زمن المحيض، فهذا الاعتزال يحتمل اعتزالَهن مطلقًا كاعتزال المُحرِمة والصائمة، ويحتمل اعتزالَ ما يراد منهن في الغالب، وهو الوطء في الفرج، وهذا هو المراد بالآية لوجوه:
أحدها: أنه قال: {هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة: ٢٢٢] فذكر الحكمَ بعد الوصف بحرف الفاء، وذلك يدلّ على أنّ الوصف هو العلّة، لا سيّما وهو مناسب للحكم، كقوله:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}(١)[المائدة: ٣٨] و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢]. فإذا كان الأمر باعتزالهن من الإيذاء إضرارًا أو تنجيسًا، وهذا مخصوص بالفرج، فيختصُّ بمحلِّ سببه.
وثانيها: أنَّ الإجماع منعقد على أنّ اعتزالَ جميع بدنها ليس هو المراد، كما فسَّرته السنة المستفيضة، فانتفت الحقيقة المعنوية، فتعيَّن حملُه على الحقيقة العُرفية ــ وهو المجاز اللغوي ــ وهو اعتزال الموضع المقصود في الغالب، وهو الفرج؛ لأنه يُكنى عن اعتزاله باعتزال المرأة كثيرًا، كما يُكنى عن مسِّه بالمسِّ والإفضاء مطلقًا.
وبذلك فسَّره ابن عباس فيما رواه ابن أبي طلحة عنه في قوله: {فَاعْتَزِلُوا