وأما حديث ابن عباس، فربما ظنَّ أنه كان في حجَّة الوداع، وأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حينئذ لم يصلِّ فيها؛ إلا أنه قد روي فيه عن ابن عباس ما يدل على أنه أراد دخوله عامَ الفتح أيضًا.
فإن لم يكن حديث ابن عمر وحديث ابن عباس في وقتين متغايرين وإلا (١) فحديث ابن عمر هو الصواب، لأنه مثبِت عن بلال شيئًا شاهدَه وعاينه، والمثبت أولى من النافي؛ ولأن ابن عباس لم يدخل معهم، بل كان إذ ذاك صغيرًا له نحو عشر سنين، وإنما روى الحديث عن أسامة، وقد روى غيره عن أسامة خلافه. فإن لم يكونا واقعتين، فلعل أسامة كان مشغولًا بدعاء وابتهال حين دخول البيت في بعض نواحيه، فلم ير النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي، لاسيَّما والباب موجَف عليهم. ثم لعله بعد ذلك أخبره أسامة [ص ١٧٧] أو عثمان أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى فيه.
فصل
ولا بدَّ أن يكون بين يديه شيء من الكعبة في حال قيامه وركوعه وسجوده. فلو سجد على منتهى السطح أو على عتبة الباب لم تصح صلاته، لأنه لم يستقبل شيئًا من القبلة، بل هو مصلٍّ إلى غير الكعبة. فإن كان الذي بين يديه ليس بشاخص، مثل أن يصلِّي إلي الباب وهو مفتوح وليست له عتبة شاخصة، أو يصلِّي على السطح ولا سترة أمامه، لم تصح صلاته في المنصوص من الوجهين.
(١) وقعت «وإلا» هنا في غير موقعها، والصواب حذفها. وقد تكرر نحو هذا التركيب في كتب المصنف وتلميذه ابن القيم. انظر ما علَّقت في كتاب «الداء والدواء» (ص ٢٠٩).