للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن [علي بن] أبي طلحة عن ابن عباس: قوله: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]، قال: إن قتله متعمدًا أو ناسيًا حُكِم عليه، فإن عاد متعمدًا عُجِّلت له العقوبة إلا أن يغفر الله تبارك وتعالى. رواه جماعة (١).

وأيضًا فإن الله سبحانه أوجب في قتل المعصوم خطأً ديةً وكفارة، والدية حقٌّ لورثته، والكفارة حقّ لله، ولم يسقط ذلك بكونه مخطئًا، فقتلُ الصيد خطأً في معنى ذلك سواء؛ لأنه قتل حيوان معصوم مضمون بكفارة، وكونه معفوًّا عنه لا (٢) يؤاخذ بالخطأ لا يمنع وجوب الكفارة، كالكفارة في قتل الآدمي، وذلك لأن المتعمد يستحقّ الانتقام من الله، ويجب عليه الكفارة، فالمخطئ قد عُفي له عن الانتقام، أما الكفارة فلا.

وأما تخصيص المتعمد في الآية، فلأن الله ذكر وجوب الجزاء ليذوق وبال أمره، وأنه عفا عما سلف، وأن من عاد انتقم الله منه، وهذه الأحكام مجموعها لا تثبت إلا لمتعمدٍ، وليس في ذلك ما يمنع ثبوت بعضها في حق المخطئ، بل يجب ترتيب هذه الأحكام على ما يقتضيها من تلك الأفعال، فالجزاء بدل المقتول، والانتقام عقوبة القاتل، وهذا كما قال: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} [البقرة: ٢١٧]، وقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الآيتين [الفرقان: ٦٨، ٦٩]، وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية [النساء: ١١٥]، وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} الآية [النساء: ١٤]. وهذا كثير في القرآن والحديث،


(١) كذا في النسختين. ورواه الطبري (٨/ ٧١٦) وابن أبي حاتم (٤/ ١٢٠٩) بنحوه.
(٢) في س: «أو لا».