للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكون إلا على الوجه المنهيِّ عنه، فإنَّ المقبرة والحمَّام لهما هيئة مخصوصة يتميزان بها عن سائر البقاع. وأعطانُ الإبل والمزبلةُ ونحو ذلك فإنَّها لا تتميَّز بنفس هيئة الأرض، وإنما تتميَّز بما يكون فيها.

الوجه الثاني: القياس في المسألة. وفي ذلك ثلاثة (١) مسالك.

أحدها ــ وهو مسلك كثير من أصحابنا، منهم أبو بكر والقاضي وغيرهما ــ: أنَّ الحكم ثبَت تعبُّدًا، فيتعلَّق (٢) بنفس الأسماء ومفهومها من غير زيادة ولا نقص.

وإذا قال بعض الفقهاء: هذا الحكم تعبُّد، فله تفسيران:

أحدهما: أن يكون الحكم شُرع ابتلاءً وامتحانًا للعباد، ليتميز المطيع عن العاصي، ويثاب المطيع على محض الطاعة والانقياد والإسلام، كما يعاقَب العاصي على محض المعصية والمخالفة، وإن لم يكن في نفس العمل ــ لولا الأمر ــ معنًى يقتضي العمل. ومثلُ هذا أمرُ الله خليلَه بذبح ابنه، وتحريمُه على أصحاب طالوت أن يطعَموا من النهر إلا غرفة واحدة. وكثيرٌ من الأحكام من هذا النمط. وهذا التعبد حقٌّ واقعٌ في الشريعة عند أهل السنَّة خلافًا للمعتزلة ونحوهم، إلَّا أنَّ الصلاة في هذه الأماكن ليست ــ والله أعلم ــ من هذا القبيل؛ لأنه قد أشير فيها (٣) إلى التعليل.

ولأنَّ مواضع الصلاة مبنيَّة على التوسعة والإطلاق في شريعتنا، ولا تناسب الحَجْر والتضييق. ولأنه لا بد أن تشتمل هذه الأماكن على معانٍ


(١) في الأصل: «وذلك فيها ثلاث»، وفي المطبوع: « ... ثلاثة».
(٢) في المطبوع: «يتعلق»، والمثبت من الأصل.
(٣) في الأصل والمطبوع: «منها».