للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد استثنى في حديث أبي سعيد المقبرة والحمام خاصَّةً دون غيرهما، وقال: «الأرض كلُّها مسجد».

الثاني: أنَّ النهي إنما كان لأنها مظِنَّة النجاسة. وهذه العلة يمكن الاحتراز عنها غالبًا في تلك المواضع، فلا تبطل الصلاة مع تيقُّن اجتناب النجاسة غالبًا.

والأول أظهر لوجهين:

أحدهما: الحديث المذكور. وقد تقدَّم الجواب عن تضعيفه، لاسيَّما والحديثُ الذي يسمِّيه [ص ١٥٤] قدماء المحدِّثين ضعيفًا مثل هذا خيرٌ من القياس والمجمل، أعني ما ذُكِر فيه الحكمُ جملةً وإن كان بصيغة العموم. وهو أحقُّ أن يتَّبع منه، على ما هو مستوفًى في مواضعه من أصول الفقه، فكيف إذا لم يعارضه إلا عمومٌ ضعيفٌ لكونه مخصوصًا بصور كثيرة، أو قياس ضعيف؟ ثم إن بعض تلك المواضع قد جاء فيها نصوص أخرى مثل جوادِّ الطريق (١) ومثل ظهر بيت الله الحرام (٢)، فإنَّ فيه آثارًا عن الصحابة.

والمزبلة والمجزرة أولى بالمنع من الطريق والحمَّام، فصار ذلك الحديث معتضدًا بالآثار التي توافقه، وبفحوى الخطاب الذي يطابقه. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي سعيد: «الأرض كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحمام» (٣) يشبه ــ والله أعلم ــ أن يكون إنما استثنى ما على هيئة مخصوصة لا يصلح أن


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.