للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أن هذا القدر غير معلوم ولا مظنون، فإن الموت إنما يُعلم بأسبابه، وإذا نزلت أسباب الموت من المرض الشديد ونحوه تعذَّر فعل المأمور به (١)، وقبل حصول أسبابه فإنه لا يغلب على ظن أحد أنه يموت في هذا العام ولو بلغ تسعين سنة.

الثاني: أنه إن مات قبل هذا الظن غيرَ عاصٍ لزم أن لا يجب الفعل على أكثر الخلق؛ لأن أكثرهم يموتون قبل هذا الظن، وإن عصى بذلك (٢) فبأي ذنب يعاقب؟ وإنما فعل ما جاز له. وما الفرق بينه وبين من مات في أثناء وقت الصلاة؟ وكيف يجوز أن يقال: إنما جاز له التأخير بشرط سلامة العاقبة، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: ٣٤].

وأما المسلك الخاص فمن وجوه:

أحدها: ما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعجَّلوا إلى الحج ــ يعني الفريضة ــ فإن أحدكم لا يدري ما يَعرِض له». رواه أحمد (٣).

فأمر بالتعجيل، والأمر يقتضي الإيجاب، لا سيما واستحباب التعجيل معلوم بالضرورة من نفس الأمر بالحج، فلم يبق لهذا الأمر الثاني فائدة إلا الإيجاب، وتوكيد مضمون الأمر الأول.


(١) «به» ليست في ق.
(٢) ق: «بذاك».
(٣) برقم (٢٨٦٧) وفيه أبو إسرائيل المُلائي، وهو ضعيف الحديث، لكنه توبع عند الطبراني في «الكبير» (١٨/ ٢٨٨) بإسناد جيّد. وللحديث طريق آخر عن ابن عباس فيه جهالة حال التابعي، وسيأتي قريبًا. فالحديث صحيح بمجموع طرقه.