وقته عن التعلُّم، فإنه إذا اختلف عليه مجتهدان، فإنَّه يتبع أوثقَهما عنده علمًا بدلائل القبلة، وورعًا في تحرِّيها. وذلك واجب عند أكثر أصحابنا، فإن قلَّد المفضول لم تصحَّ صلاته.
وقال بعض أصحابنا: يجوز تخريجًا على أنَّ للعامِّيِّ أن يقلِّد من شاء من المفتين، فإنَّ فيه روايتين أشهرُهما جوازُه، لأنه أخذ بدليل يجوز العمل به منفردًا، فكذلك إذا كان معه غيره، كما لو استويا، فإنهما إذا استويا قلَّد من شاء منهما.
وحكى الحُلْواني (١) في هذه المسألة روايتين أيضًا، وقدَّم رواية التخيير كالروايتين في الاستفتاء.
والأول أقيس، لأنه إنما جاز له أن يقلِّده حال الانفراد لعدم المعارض، كما يعمل في خبر الواحد والقياس والعموم مع عدم المعارض؛ فإنَّ غلبة الظن بمعرفة المجتهد تزول إذا خالفه من هو أعلم منه. ولأنَّ أمر القبلة مبنيٌّ على العمل بالأقوى، فلم يجُز العمل بالأضعف، كما لو تعارضت الأدلَّة عند المجتهد فإنه يجب عليه العمل بأقواها، وكما لو أخبر المحبوسَ والأعمى رجلان كلٌّ منهما يزعم أنه [ص ٢١٨] يُخبره عن علم بجهة القبلة واختلفا، فإنه يجب عليه أن يعمل بأصدقهما وأوثقهما. ولأنَّه عمل بالمرجوح فيما لم يُبْنَ على التوسعة والرخصة فلم يجُز، كالعمل بالدلالة الضعيفة.
وأما تقليد المفتين، فإنَّ ابن عقيل وغيره سوَّوا بينهما في وجوب تقليد
(١) عبد الرحمن بن محمد بن علي، صاحب كتاب «التبصرة» في الفقه. وكان فقيهًا في المذهب، وتوفي سنة ٥٤٦. ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٣٩ - ٤٢).