للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفًا مع الناس بعرفة، فقلت: والله إن هذا لمن الحُمْس، فما شأنُه هاهنا؟ وكانت قريش تُعدُّ من الحُمْس. متفق عليه (١).

وعن جابر قال: كانت العرب يَدفع بهم أبو سيَّارة على حمارٍ عُرْيٍ، فلما أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المزدلفة بالمشعر الحرام لم يشكَّ قريش أنه سيقتصرُ عليه، ويكون منزلُه ثَمَّ، فأجاز ولم يَعْرِضْ [له]، حتى أتى عرفاتٍ فنزل. رواه مسلم (٢).

فإن قيل: كيف قيل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ــ والإفاضة من عرفات ــ بعد قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}؟

قيل: قد قيل: إنه لترتيب الأخبار، ومعناه أن الله يأمركم إذا أفضتم من عرفاتٍ أن تذكروا (٣) عند المشعر الحرام، ثم يأمركم أن تُفيضوا من حيث أفاض الناس. وترتيب الأمر لا يقتضي ترتيبَ الفعل المأمور به، وإنما أُمِر بهذا بعد هذا لأن الأول أمرٌ لجميع الحجيج، والثاني أمرٌ للحُمْس خاصةً.

ويقال: إنه معطوف على قوله: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ} إلى قوله: {وَتَزَوَّدُوا ... } (٤) {وَاتَّقُونِ ... } {ثُمَّ أَفِيضُوا}، ويكون معناه: فمن فرض الحج فلا يرفث ولا يفسُقُ، ثم بعدَ


(١) البخاري (١٦٦٤) ومسلم (١٢٢٠).
(٢) رقم (١٢١٨/ ١٤٨). والزيادة منه.
(٣) في المطبوع: «تذكروه» خلاف النسختين.
(٤) «وتزودوا» ساقطة من المطبوع.