للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقبرة أيضًا إنما كُرهت للتشبُّه بأهل الكتاب، لأنهم يتخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد. وسائرُ المواضع التي استثناها إنما كرِه نجاستها [ص ١٦١]. ومعاطنُ الإبل قال: إنها خُلِقت من الشياطين. فقد بيَّن في كلٍّ معناه». هذا كلام الأثرم.

وقد تبيَّن بما ذكرناه أنَّ العلَّة في أكثر هذه المواضع كونها مأوى الشياطين ومألفهم، وأنَّ إلفَ الشيطان إياها بسبب النجاسة وغيرها.

فإن قيل: فعندكم تجوز الصلاة في الموضع الذي نسيَ الصلاةَ فيه، وهو موضع شيطان. وتجوز في السوق بنصِّ السُّنَّة (١)، وبها يركُز الشيطان رايته (٢). وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي على البعير وإليه (٣). ثم ما كان مأوى الشيطان فينبغي أن تكون الصلاة فيه أفضل، كما فُضِّل ذكرُ الله في السوق لأنه محلُّ الغفلة (٤)، وكما أنَّ الأذان يطرد الشيطان (٥).

قلنا: الأماكن قسمان، أحدهما: ما يألفونه ويلزمونه، ولا يمكن طردهم عنه مطلقًا، لثبوت المقتضي لحضورهم، مثل الحُشِّ والحمّام وأعطان الإبل. فهذا الذي لا تصح الصلاة فيه.


(١) انظر حديث أبي هريرة في البخاري (٤٧٧) ومسلم (٦٤٩).
(٢) كما قال سلمان الفارسي في حديثه في «صحيح مسلم» (٢٤٥١).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) أخرجه الترمذي (٣٤٢٩) وابن ماجه (٢٢٣٥) من حديث عمر. وانظر «مجموع الفتاوى» (١٨/ ٦٥).
(٥) سبق تخريجه.