للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مستثنًى من غصبه إياه، كما استثنيت مواقيت الصلاة في حقِّ العبد الآبق.

والثاني: لا يصحُّ. وهو قولٌ قويٌّ، لقوله سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: ١١٤]. فعاقب الله سبحانه [ص ٨٢] من منع المساجدَ أن يُذكَر فيها اسمُ الله، وسعى في خرابها بمنع العُمَّار الذين يعمُرونها بذكر الله، بأن حكم عليه بأنه ليس له أن يدخلها إلا خائفًا، فيكون هذا الغاصب ممنوعًا من لبثه في هذا المسجد عقوبةً على منعه الناس.

واستثناؤه ودخولُه خائفًا دليلٌ على ثبوت المنع، لأنه إمَّا أن يكون خائفًا من الله تعالى أن يعاقبه، وذلك دليل على أن دخوله سبب العقوبة، فيكون حرامًا؛ وإما أن يكون خائفًا من الخلق بتسليط الله إياهم عليه عقوبةً له. وإذا كان الله قد عاقبه بأن جعله لا يدخل إلا خائفًا كان دخولُه سببًا لحصول الخوف له، والخوفُ عقوبةٌ، فلا يكون الدخول إليها مأذونًا فيه، لأنَّ ما أذن الله فيه لم يجعله سببًا للعقوبة، ولأنَّ الله تعالى منعه أن يدخل إلا معاقبًا بالخوف.

فعُلِمَ أنَّ الدخول ليس مباحًا مع مقامه على منع غيره، لأنَّ ما أبيح لا يشترط في الإذن فيه حصولُ عقوبة، ولأن دخول المسجد وإن كان مباحًا، لكن إباحة الشيء قد تكون مشروطة (١) بالكفِّ عن محرمات تتعلَّق بجنسه، كما قال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ١]، فإنما أباح الأنعام لمن يعتقد تحريم الصيد في الإحرام،


(١) في المطبوع: «شرطًا»، ولعله خطأ مطبعي.