للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمْره - صلى الله عليه وسلم - بلبس الخف والسراويل وسكوته عن تغييرهما يدلُّ أصحابَه الذين سمعوا الحديث الأول أنه أراد لُبسهما على الوجه المعروف، وأنه لو أراد تغييرهما لذكره، كما ذكره أولًا، كما فهموا ذلك منه على ما تقدم.

ويوضِّح ذلك أنه لو كان - صلى الله عليه وسلم - مكتفيًا بالحديث الأول لاكتفى به في أصل الأمر بلبس الخف لمن لم يجد النعل، ولم يُعِدْه ثانيًا. فإذا لم يستغنِ عن أصل الأمر فكيف يستغني عن صفته ويتركه ملبَّسًا مدلَّسًا؟ وقد كان الإعراض عن ذكر أصله وصفته أولى في البيان لو كان حاصلًا بالحديث الأول من ذكرِ لفظٍ يُفهِم خلاف المراد.

الثاني: أن حديث ابن عمر فيه: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - (١) ــ وهم بالمدينة قبل الإحرام ــ عن لبس السراويل مطلقًا كما نهى عن لبس العمامة والقميص، ولم يأذن في لبسه بحال، ونهى عن لبس الخف إلا إذا عَدِم النعلَ فيلبس مقطوعًا. ففهم ابن عمر منه الأمر بالقطع للرجال والنساء لعموم الخطاب لهما، كما عمَّهم النهي عن لبس ثوبٍ مسَّه وَرْس أو زعفران، وإن لم يعمَّهم النهيُ عن لبس ثوب القميص والبرانس والسراويلات، فإن المرأة محتاجة إلى ستر بدنها ورأسها، فكان ذلك قرينة عند ابن عمر تُعلِمه أنها لم تدخل في النهي عن ذلك، وليس بها حاجة إلى الخف الصحيح، فجوَّز أن تُنْهى (٢) عن لبس ما يصنع لرجلها كما نُهِيتْ عن القفَّاز والنقاب، فلو ترك الناس وهذا الحديث لم يجز لأحد لبسُ السراويل إلا أن يَفْتِقه، أو يفتدي بلبسه صحيحًا. وكان معناه أن عدم الإزار والنعل لا يبيح غيره إلا أن يكون قريبًا


(١) في النسختين: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه» بتقديم وتأخير.
(٢) في النسختين: «ينهى».